أين يقف محمد بن سلمان بعد قمة العشرين؟ ولماذا سلطنة عُمان وليس قطر؟

أين يقف محمد بن سلمان بعد قمة العشرين؟ ولماذا سلطنة عُمان وليس قطر؟

آخر تحديث : الثلاثاء 31 أكتوبر 2023 - 11:18 صباحًا

بقلم المراقب السياسي 

لندن

الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي زار مسقط في زيارة وصفها الاعلام الرسمي في الاصطلاح البروتوكولي بأنها زيارة خاصة، التقى خلالها السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان.

لكنها بالمعنى السياسي زيارة خاصة جداً.

كان ولي العهد السعودي عائدا من قمة العشرين في نيودلهي التي تعد اهم قمة للمجموعة الدولية العملاقة على صعيد رسم احدى استراتيجيات العلاقات الدولية الكبرى لاسيما في الاقتصاد والطاقة التي ستكون بمثابة خارطة طريق القرن الواحد والعشرين للمجموعة وما يرتبط بها. لقد جرى الاتفاق في قمة العشرين على الربط بين الهند التي تتفوق على الصين اليوم بعدد السكان، وأوروبا، عبر خط بحري وبري تكون السعودية في قلبه، وقبل ذلك تكون الرؤية الخاصة لمحمد ين سلمان الناظم الرئيسي لانفتاح هذا المشهد على سعته بين الشرق والغرب، لكن عصب الحياة في المشروع هو إسرائيل من خلال ميناء “حيفا” الذي سيكون مثابة الانطلاق نحو أوروبا.

نجد في وقت قصير أنّ العالم ينفتح على ثلاثة مشاريع في النقل الاستراتيجي، هي طريق الهند، وطريق الصين الذي يتخذ مساراً اخر ويتصل بالعراق والكويت، ومشروع طريق التنمية من تركيا الى الخلية عبر العراق.

سلطنة عُمان، على صلة وثيقة بنجاح مشروع الممر الاقتصادي، ولها دور بحري مهم، وكذلك عبر اراضيها، وقبل ذلك هناك رأس جسر جديد من العلاقة بين الرياض ومسقط، صنعته ارادتان جديدتان في القيادات الاساسية التي تتولى امور دولتين مهمتين في الخليج.

لقد كانت زيارة ولي العهد في توقيتها ضربة معلم، لكي تكون الصورة الدولية الجديدة التي تظهر في صدارتها السعودية واضحة للدول المهمة، والواقعة على جانب آخر من الانفتاح على دول مثل إيران، ليست في مسار مجموعة العشرين.

كانت هناك مرحلة حرجة ومتداخلة في العقود الماضية، بدت فيها سلطنة عُمان خارج المسار الخليجي، او بتوصيف أدق، خارج المسار الذي تتبناه السعودية، لاسيما ازاء ملفات خليجية ومشرقية، نأت مسقط بنفسها عنها، فيما تراجعت الرياض عن مسارات قديمة استهلكتها ظروف سابقة خاطئة وملتبسة، قبل ان يضع محمد بن سلمان السعودية بثقلها الكبير على مسار صحيح في المنطقة والعالم، لا يمكن ان يخلو من وجود علاقة متقدمة مع سلطنة عُمان التي دشنت قبل سنوات قليلة ايضا عهدا جديدا يتطلع الى تعزيز الانفتاح مع استمرار السياسة العُمانية الهادئة.

المشتركات الكبيرة بين السعودية وسلطنة عُمان متعددة، واساسية، تبدأ من أمن الخليج وممرات الطاقة وتتصل بالمصالحة السعودية الإيرانية وانعكاساتها الإيجابية كون مسقط ذات علاقات تاريخية تقليدية مع طهران، وصولا الى ملف حرب اليمن الذي دخل مرحلة طي صفحاته التي لابدّ من تلاقي القراءتين السعودية والعُمانية لها، كوضع حتمي.  بعد ان كانت مسقط بوابة مهمة للاتصالات مع قادة الانقلاب في اليمن في فترات عصيبة من الحرب.

لكن في المقابل، يواجه ولي العهد السعودي، بروز الرؤى المختلفة، وربما أحياناً المتناقضة في بعض مراكز القوى في الخليج، اذ هناك طموح اماراتي لدور قيادي كبير في المنطقة، ويتداخل مع مشاريع واستراتيجيات دولية، وهذا يحتاج على المدى البعيد إيجاد صيغة لفك الاشتباك والاختلاط والاحتكاك إذا وصل مرحلة سلبية.

لكن الأخطر من الجدوى الاقتصادية هوإمكانية جني فائدة التوظيف السياسي للمشروع. هذا الامر لا يتجلى في سهولة، اذ هناك من يرى ان السعودية الحجر الأساس في مشروع ستستفيد منه في مرحلتها التنموية الانفجارية، لكن الخدمة الأكبر ستكون لإسرائيل التي ستمسك بأقوى مفاتيح المشروع. وهنا يكون اللعب على الوتر السياسي، الذي لا ترى فيه السعودية حاجة فعلية لاستخدامه بحسب معطيات رؤية محمد بن سلمان ذات العمق الاقتصادي المستدام، لكن دولة مثل قطر لها صلة بالملف الفلسطيني، ترى انّ هناك فرصة ستكون مهدورة في حال لم توظف لصالح مكاسب للفلسطينيين على طريق إقامة دولتهم لاسيما كل الأوراق القوية بيد تل ابيب ويمكن ان يكون هناك بعض تلك الأوراق بيد العرب، لكي تقبل إسرائيل ان تكون واقعية التفكير وليست مهينة وفارطة في التعسف مع تراجع دور العرب. يبدو انّ السعودية غير معنية لأن تفكر وتتصرف نيابة او بالمشاركة مع الفلسطينيين بشقيهم، السلطة بقيادة فتح، وحماس المسيطرة على غزة.

 في ذات الوقت، يلتزم الشيخ تميم بن حمد امير قطر واحد من أذكى القادة العرب في هذا القرن، بعدم اقتحام أي مسار سعودي يقوده محمد بن سلمان ما لم يبادر ولي العهد نفسه بمفاتحة الدوحة بشأن معين، وهذه سياسة واضحة لما بعد المصالحة الخليجية الشهيرة. لذلك نجد ان قطر لا تجاهر برؤاها بما يوحي بأنها تتناقض مع الكبير المتصالح، وهو السعودية، لكن لها تسريبات، يفهمها القادة في السعودية والخليج، تضمنها الروية القطرية، ويتجلى ذلك اليوم من خلال 

سلسلة تدوينات للشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري السابق على صفحته في منصة أكس (تويتر سابقا)، وهو الشخص الأعرف من سواه في إيجاد الكلمة المناسبة في فراغ الكلمات المتقاطعة قبل فوات الأوان، اذ يقول: “طرحت مؤخراً في مؤتمر قمة العشرين في نيودلهي فكرة إنشاء خط تجاري اقتصادي للسكة الحديد يصل من الهند مروراً بشبه الجزيرة العربية إلى ميناء حيفا على البحر المتوسط ثم إلى أوروبا.. وقد كنت دائماً أدعو إلى التقارب مع الهند خصوصاً، بصرف النظر عن اختلافي مع بعض سياساتها، لكنني أعتقد أن الهند يجب أن تكون الشريك الطبيعي لدول الخليج كما كانت لقرون طويلة.

وتابع حمد بن جاسم: “وأنا لست هنا في معرض تقييم الجدوى الاقتصادية لهذا الخط المقترح لكنني أظن أنه لابد في الوقت نفسه لنا في دول الخليج من النظر بمشروع خط الحرير الذي تقوم الصين الآن بإنجازه ليصل الى أوروبا، وسوف يمر عبر دول عربية مثل الكويت والعراق ثم إلى تركيا وإلى أوروبا.. لقد قطعت الصين شوطاً في بناء هذا الخط ووصلت القطارات منها الى أوروبا بطريق أو باخر.. ولا بد من دراسة متأنية للجدوى الاقتصادية لهذا المشروع وللمشروع الذي طرحت فكرته في نيودلهي مؤخراً..”

وأضاف السياسي القطري المخضرم: “حتى نتبين التبعات الإيجابية أو السلبية لهذه المشاريع والخطوط على قناة السويس مثلاً باعتبارها ممراً مائياً إستراتيجياً لمصر وللعرب عموماً.. ولابد كذلك أن توضح الدراسة الطرق الأمثل لتعامل الدول العربية عموماً مع هذه المشاريع لضمان حقوقها وعدم تهميش دورها فلا تكون مجرد ممر تتنافس فيه هذه الخطوط.. ومن الواضح أن ميناء حيفا سيكون هو المستفيد الأول من هذه الخطوط، ومع أني لا أعترض على ذلك، فإني أعتقد أنه يجب أن تكون الخطوط الاقتصادية المقترحة عاملاً مساعداً في السلام ضمن خطة سلامٍ إسرائيلية فلسطينية عربية تعطي كل ذي حقٍ حقه”.

لكن هذا الطرح القطري ليس يعني بالضرورة انه الأحوط والاشمل، لأنه ينطوي على الفائدة السياسية الدفينة والجاهزة للظهور في اللحظة المناسبة، كما انه يغازل رؤية تركيا الحليف الذي لا غنى عنه والاقرب للنجدة حتى من الولايات المتحدة، من حيث السرعة والمقبولية في وقت الضيق.

وهنا،ترجيح ضمني للأمير محمد بن سلمان لكفة التشاور والتعاطي مع الرؤية العُمانية، كونها لا تنطوي على الاشتغال السياسي بأي ملف، ولحساب جماعات ،هي في النهاية لها مصالحها المغايرة تماماً .

لكن الاوضاع العامة والاتفاقيات الدولية التي على تماس بأي خيط اسرائيلي ستكون خاضعة لنسبة وتناسب لما تؤول اليه عملية .طوفان الاقصى في غزة ، والتي غيرت سلسلة الاولويات

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com