نيجيرفان بارزاني .. “العراقي المنتظر” في الساعات العصيبة

نيجيرفان بارزاني .. “العراقي المنتظر” في الساعات العصيبة

آخر تحديث : الأربعاء 10 مايو 2023 - 12:53 صباحًا

بقلم المراقب السياسي

“لندن”

نيجيرفان بارزاني، ومسرور بارزاني إسمان بين أسماء قيادات كردية برزت في العقدين الأخيرين، لاسيما بعد أن نال اقليم كردستان استقلالية دستورية كونه اقليماً فيدرالياً أساسياً في العراق. كان من الممكن أن يمر “المراقب السياسي” على المشهد الكردي المعاصر من دون أن يتوقف عند هاتين الشخصيتين، كما يحدث مع أسماء كردية كثيرة نالت مناصب قيادية في الإقليم وعلى مستوى العراق، ولم تكن ذات كينونة قيادية مستمرة، ولعلّ من أولئك برهم صالح. والكلام في هذه الزاوية لا يحتمل المجاملة والتغاضي عن أية نقطة سلبية أو إيجابية متاحة.

سمعنا، أحياناً انَّ قيادة نيجيرفان بارزاني أو مسرور بارزاني ما كانت لتتشكل لو لم يكونا ابني الاسرة التاريخية في نضالها ودورها العميق في رسم صورة الوجود الكردي في العصر الحديث، ولا نرى في ذلك أية منقصة، بل بالعكس هي سمة إيجابية أصيلة تدلل على انّ نيجيرفان بارزاني ومسرور بارزاني حافظا على الأمانة وسارا في نفس الطريق الذي يكافحان فيه عبر وسائل جديدة وقد يبدو الاختلاف واضحا بين اسلوبيهما، لكنهما في النهاية على  ما سار عليه والداهما الراحل ادريس بارزاني، ومن بعده مسعود بارزاني، ومن قبل ذلك، جدهما الزعيم المؤسس الراحل الملا مصطفى بارزاني. إنّ الظهور الوسم القيادي وسط مسار “البارزانية”، ليس سهلاً أو متاحاً للجميع في عشيرة كبيرة، وليس هو مجرد وراثة تقليدية، ذلك انّ هناك سمات قيادية ذاتية بارزة تتوافر في شخصية دون أخرى حتماً، لأنّ بناء الشخصية، كما يقول علماء النفس، عملية مشتركة ومركبة ما بين الذاتي والجماعي.

المراقب السياسي في منصة ” قريش” تابع محطات عدة في العقد الأخير، وجد فيها انّ مرحلة الجيل الثاني لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني دخلت حيز التطبيق، ولم تعد افتراضات وتمنيات بالرغم من وجود قائد هو” أب وعم” للثنائي القيادي الجديد في إقليم كردستان، ولا يزال بدوره قائماً على رأس الحزب الكبير الذي يضم الجميع.

غير انَّ هناك منعطفات تاريخية لفتت انتباه الجمهور العراقي الى دور استثنائي اضطلع به نيجيرفان بارزاني في فترة عصيبة أعقبت يوم الاستفتاء على خيار تقرير المصير لإقليم كردستان في 25 سبتمبر 2017، ذلك انّ واشنطن والدول الأكثر عناية بالملفين الكردي والعراقي وهما ايران و تركيا، لم يكونوا راضين عن الخطوة التي انتهت بانقسام كردي واضح بين موقفي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، فضلا عن استلام الحكومة العراقية في فترة حيدر العبادي الإشارة ” الدولية” و” الإقليمية”  للتحرك باتجاه كركوك التي خلت في ساعات من الوجود الحزبي الكردي، تجنباً لمواجهات كانت كفيلة بإعادة البلد الى زمن دموي سابق لا تنتهي فصوله . في تلك الساعات العصيبة والشائكة ولا أقول الأيام، اشرق وجه قيادي كردي، بدأت بغداد تصغي اليه وترى فيه أملاً هو نيجيرفان بارزاني، وكأنّه أعاد بتصريحاته ومن ثم زيارته الى بغداد مسمار الأمان الى مكانه في القنبلة التي كادت تنفجر بيد حامليها. العراقيون من العرب والقوميات الأخرى فرحوا ربّما أكثر من الكرد بتوجهات جديدة وواثقة وواقعية بدأ نيجيرفان بارزاني يشرع بها، وقد كان لتوّه يباشر بمهام رئيس إقليم كردستان.

كانت فترة عصيبة جدا، لا يمكن المرور عليها بسرعة، وسيتولى الذين سيكتبون تاريخ العراق في العقدين الاخيرين التوقف طويلا عندها، لأنها كانت نقطة فاصلة بين مسارين في بلد واحد يعاني في الأساس من تفشي عوامل كثيرة تساعد على الانقسام والعدائية بين المكونات بفعل أسباب أغلبها خارجي.

رأينا نيجيرفان بارزاني يذهب بنفسه الى مركز اقتراع في أربيل ويصوّت في يوم الاستفتاء، وكان حينها رئيساً لحكومة الإقليم ، لكن الزعامات الكردية الكبيرة الأخرى كانت تتبنى خطاب التعبئة الجماهيرية في المدن والارياف باتجاه الحق التاريخي في الاستفتاء، من دون ان يكون المراقب في تلك الفترة قادراً على أن يلحظ انّ هناك خط رجعة بتلك الطروحات التي تسير عكس التيار الإقليمي والدولي فضلا عن العراقي، غير انها كانت بحسب زعيم الحزب الديمقراطي ورئيس الإقليم في حينها مسعود بارزاني موقفا تاريخيا مكملا لمسيرة بناء الإقليم الصعبة والدقيقة التي شرع بها منذ ان كان النظام السابق لايزال حاكما في بغداد، ولأنّ بناء التكوينات الشاهقة للشعوب لا تكون عبر مرحلة واحدة وشخص او شخصين ، فقد لاحت ملامح مرحلة جديدة للإقليم الكردي والمناخ السياسي الكردي العراقي بصورة عامة . وهنا كان تولي نيجيرفان بارزاني مسؤولية تصدّر المشهد الكردي فوراً رسالة طمأنة للعراقيين جميعاً، في يوم كادت الأوراق فيه أن تُخلط على نحو مخيف، بأنّ الكرد هم عراقيون في المعيار الأول وهذا هو سقف وطنهم الذي يستظلون به عبر خصوصيتهم القومية، وانَّ التفاصيل ما كانت تتجه لتقسيمه أو التسبب في أزمة داخلية، والبلد بالكاد قد أنجز تحرير الموصل والمدن العراقية الأخرى من قبضة تنظيم داعش.

منذ ذلك الحين، يتصاعد نهج الحوار مع بغداد بطريقة هادئة انتظمت من خلالها توجهات الفعاليات السياسية الكردية كلها في نفس المسار، ليس كاضطرار للتنفيذ الحزبي، ولكن استرشاداً بدليل واضح للعيان ، يشعرون انه يقودهم الى بر العلاقة الصحيحة مع شركاء الوطن العراقي، بالرغم من كل السلبيات التي اعتادت أحزاب وفصائل شيعية على ارتكابها ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني خاصة والاقليم عامة، ومنها الاستعراضات الهجومية على مقر حزب بارزاني في بغداد وحرقه وسوى ذلك من تصرفات لم ينجر لها القادة الكرد، وتصرفوا بمسؤولية تاريخية ازاءها، ويبدو انّ السياسة الرشيدة التي اتبعها نيجيرفان بارزاني في مباحثاته المستمرة مع بغداد، كانت خارطة طريق واضحة للوصول الى العلاقات الصحيحة وعدم الانزلاق الى أرض الكمائن المُخطط لها من ” أعداء مختلفين” وبعضهم لايزال يحمل صفة الحليف للكرد، وتلك معادلة ما كان لأحد أن يفككها ويعيد توازنها وتسويتها سوى الذي يحمل صفات قيادية لاقت استجابة وارتياحاً من اغلبية العراقيين، الذين نظروا الى نيجيرفان بارزاني على أساس كونه عراقياً، ومن ثم التوصيفات الأخرى. وباتوا يتطلعون في الإقليم وبغداد معاً الى زياراته ومباحثاته في العاصمة بوصفها فاتحة أمل لترسيخ علاقة منتظـرة منذ سنوات لبناء بلد لم يعد يحتمل رجّات جديدة. 

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com