طلال صفاوي .. ريادة الفن وموسوعية الثقافة

طلال صفاوي .. ريادة الفن وموسوعية الثقافة

آخر تحديث : السبت 23 أكتوبر 2021 - 1:08 مساءً

                                                        أحمد الحاج

thumbnail PHOTO 2021 01 30 15 01 11 - قريش
احمد الحاج

لعل من المفيد أن نذكر حقيقة مفادها أن هناك الكثير الكثير ممن أبدع في حقل علمي أو فني أو أدبي، ولكن هناك القليل القليل ممن أبدع في عدة مجالات فنية وثقافية وأدبية وصحفية. والفنان الذي نحن بصدده رجل من الطراز الأول، ذو أخلاق عالية وصفات سامية ومثابر في عمله وابداعه، يمتلك خزيناً كبيراً من المعرفة حتى غدى أحد رواد فن النحت في العراق، وموسوعي في الكتابة الصحفية، وخطيب متفوه ومعالج نفسي وفنان تشكيلي ومصور فوتوغرافي، وله حضور دائم في المؤتمرات والندوات والمنتديات الفنية والثقافية والأدبية، بالإضافة إلى بحثه العميق واهتمامه الكبير في التراث الموصلي وسعيه إلى اخراجه للعالم بحلة تليق به كجزء مهم من التراث الإنساني وعلى المستويين المحلي والدولي.

thumbnail الفنان طلال صفاوي - قريش
طلال صفاوي

ولد طلال حامد عزيز صفاوي العبيدي في محلة باب الجديد (باب العراق) عام 1941 وفيها نشأ وترعرع، وهذه المحلة هي التي تشكل قلب مدينة الموصل ومركزها الثقافي والاجتماعي والتجاري، إذ تتميز بجوامعها التاريخية وقصورها الكبيرة وزخرفتها التراثية وامتهان سكانها لمختلف الحرف والصناعات، وهذا مانجده قد انعكس على فن الصفاوي مستقبلاً. لذلك ليس من المصادفة أن يختار حقل الفن للدراسة والاحتراف والابداع، وهو الذي راح يتجول في أزقة مدينته وأحيائها وأسواقها وزخارفها، فكان أن انطبعت في ذاكرته المتقدة ولديه القدرة في استدعائها بتفاصيلها الزمكانية كلما اقتضت الحاجة لذلك. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نجده قد انصهر في عاداتها وتقاليدها واستلهم هويتها التقافية والحضارية وهذا ما نجده بارزاً للعيان من خلال أعماله الفنية في النحت والتشكيل والتوثيق التاريخي والتراثي. 

وهذا ما يعكس أصرة الحب الروحي التي تربط الفنان بمدينته التي أحبها وأحبته، فهما يتبادلان أواصر المحبة والعشق، لهذا فهو يتحمل الصعاب والمشقات كما يتحمل المبالغ الطائلة والجهد المضني في سبيل ابراز مفاتن معشوقته الجمالية وتقديمها بأبها صورة. 

تجليات الإبداع واسلوبه الفني

لقد سعى الصفاوي على مدى أكثر من نصف قرن في ابراز الهوية الحضارية لمدينة الموصل، لذا نجده عندما ينجز عملاً نحتياً لا يعتني بالأصل قدر اعتناءه بالرمز مما يضفي قيمة جمالية وروحية للعمل، فعندما تقف عند نصب السواس تتخيل شراب السوس يندلق من جوده بانحناءته الايحائية، وعندما تنظر الى تمثال الملا عثمان الموصلي تشعر بأنك واقف بحضرة الايحاءات الصوفية حتى تشعر بموجة روحية تسري في جسدك، وهنا تتجلى حقيقة ابداعه. 

thumbnail أعمال الفنان طلال صفاوي 2 - قريش
في الموصل .. تمثال السواس
thumbnail أعمال الفنان طلال صفاوي 3 - قريش

يضاف إلى ذلك، فالمتتبع لأعمال الفنان طلال صفاوي يجده يتبع منهجاً علمياً أكاديمياً في مشاريعه النحتية والتشكيلية والمعلمات التراثية، كما أنه لا يدخر هذا المنهج لنفسه بل ينصح به كل الهواة والراغبين في اعتلاء هذا المركب الصعب ويؤكد عليهم اتباع هذا المنهج في التشريح الجسدي، ومراعاة الحسابات الدقيقة في الطول والعرض واتجاه الحركة لكل عضو، وضرورة بث الروح الجمالية في العمل الفني من خلال الإيماءات والحركات ونظرة العيون، والأخذ بنظر الإعتبار زاوية النظر للمشهد وتسليط الضوء والظل ومراعاة القرب والبعد منه.   

thumbnail أعمال الفنان طلال صفاوي 1 - قريش
الجندي العراقي

مقالاته

  بدأ الفنان والمثقف الموسوعي طلال الصفاوي بالكتابة المقالية في الصحف المحلية منذ بداية الستينات حتى يومنا هذا وقد تناول مواضيع في السياسة والاجتماع والاقتصاد ونشر الكثير من مقالاته في المجلات والصحف المحلية والعربية، وبخلاف أعماله الفنية، نجد أن الصفاوي يتبع اسلوباً تشويقياً في كتابة المقالة مع رصانة النص ومعالجة الموضوع من كل جوانبه بحيث يغني المتلقي بالكامل ويشبع نهمه، ومن المعروف أن المقالة هي أكثر الأجناس الأدبية قراءة، فهي الأكثر شعبية، كما أنها تحمل رؤية الكاتب تجاه الموضوع الذي يطرحه. 

ومن المجلات التي نشرت مقالات الصفاوي نذكر منها مجلة الجامعة، مجلة التراث الشعبي، العاملون في النفط، مجلة بغداد، مجلة الجسرة الثقافية القطرية، أما الجرائد فهي جريدة الرسالة، جريدة الراصد، جريدة النور، مجلة صوت الطلبة، جريدة التأخي، مجلة الشباب، جريدة الأحد البيروتية، جريدة الثورة العراقية، جريدة الجمهورية، جريدة طريق الشعب، جريدة العراق، جريدة الوئام، جريدة البيضاء، جريدة الصباح، والحدباء والنهار والبيرق وصدى العراق جريدة عراقيون والمسار والمنار، كما رأس تحرير جريدة العربي، وحاليا يرأس تحرير جريدة الرأي الجديد. كما ألف كتاباً بعنوان “قصة الرجل المظلوم/ سيرة ذاتية”.

وختاماً وجب أن نقول أن الفنان الموسوعي طلال الصفاوي مازال عطاءه مستمراً رغم سنه ولكنه دائم الحضور في المنتديات الفنية والثقافية والأدبية والتراثية، ويحاول جاهداً الحفاظ على تراث وهوية المدينة، ويحلم بإعادة بناءها على أسس حضارية تعكس هوية المدينة ذات الفسيفساء الثقافية والحضارية المتنوعة، كما يدعوا إلى توثيق التراث الموصلي في فن النحت والزخرفة والتشكيل والبناء، وضرورة الحفاظ عليه ليكون متاحاً للأجيال القادمة خاصة ونحن نعيش زمن العولمة والحداثة واختراق الثقافات ومحاولة محو التراث والهوية والتاريخ من الوجود.  

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com