صباح اليزغي قاصة مغربية.. في فيلم الجوكر تمشي فوق أرض أخرى

صباح اليزغي قاصة مغربية.. في فيلم الجوكر تمشي فوق أرض أخرى

آخر تحديث : السبت 6 فبراير 2021 - 11:18 مساءً

جوكرة 

صباح اليزغي

0 2 - قريش
صباح اليزغي

قاصة من المغرب

آه.. رأسي آه .. يؤلمني. كان حلما مزعجا. لم أنم جيدا هذه الليلة. أحتاج أن أنام ساعة أخرى أو ساعتين.

 تشابكت الصور بعضها ببعض. كان المطر يسقط، وهو يمشي وراءها، يقترب منها، يلمسها، يحاول اللعب معها، تبتعد، يقترب، تهرب، يجري وراءها. كانت هي المحور وهو الهامش. 

 رأسي يؤلمني؛ كم الساعة؟ أظنني نمت ساعة أخرى، مع ذلك ما يزال الألم ينفخ سعاره برأسي. سأنهض لغسل وجهي في الحمام. الماء يبلل يدي، يداي ملطختان بالدم، من أين أتى وقد كنت نائمة؟ لا أتذكر إلا أحلاما مزعجة. مسحت يدي بمنشفة وعدت لأتمدد على سريري، انكمشت ركبتي إلى صدري، يداي ترتعشان، عيناي أغمضتا تعبا.

 أغرسه في ظهره. 

أفتح عيني مرعوبة. أنهض من مكاني، أقف، أتجه بخطوات نحو المرآة، لا أرى سوى جسدي القبيح عاريا، أتأمل زوايا تفاصيله، ثم أعود إلى مكاني، أنزوي فوق سريري، أغمض عيني ثانية. 

سقط والدماء في يدي.. 

استيقظت على صرختي، مرة أخرى، حلم يراودني كلما أغمضت عيني، قفزت من مكاني إلى الحمام ثانية، غسلت وجهي ويدي جيدا، نظرت إلى المرآة، شعرت بقشعريرة وأنا أنظر إلى تقاسيم وجهي وجسدي، ثم عدت منهكة إلى مكاني أجرهما.

هذه المرة تمددت على ظهري. بدأت أتأمل سقف الغرفة، تذكرت يوم كان أبي يرفعني بجسدي الصغير حتى أكاد ألمسه، فأنزل من الأعلى واثقة أن حضن أبي ينتظرني بذراعين منشرحتين، أسمع ضحكاتنا وأمي.. أفتح عيني وابتسامة فوق شفتي، ودمعة شاغرة في عيني تتسلل ساخنة، أمسح الدمعة والابتسامة والذكرى وأعود إلى حالة السكون. 

كنت واقفة، أتأملها، أتأمله، أتأملهما. حاولت أن أفعل شيئا ما، أشتم، أصرخ.. رمقني، تنحى عنها جانبا، اتجه نحوي، ونظراته تتفحص جسدي، اقترب بخطى واثقة، رفع ذراعه ليزيح الوشاح عن وجهي، ضربت يده بعيدا عني، ابتسم، عاود الكرة، الآن لوجنتي، صفعته، قهقه، بعدها، رفع يده وتركها تهوي على وجهي، لطمه، سقطت على الأرض، ثم أردف وابتسامة ساخرة على وجهه:

 ـ ” ههههه شريفة.. كلكم قحبات..ودبا.. شبالك ..أه..؟ 

رفعت رأسي بعدما كان مطأطأ، تلاقت أعيننا، عيناه مغروستان في عيني، أمعنت النظر في بؤبؤ عينيه مدة لست أدري، استرجعت فيها جميع الأوجه واحدة واحدة المخزنة في ذاكرتي كوجهه، كنظراته كملامحه كرائحته، كحركاته، ككلامه. يتشابهون في تفاصيل كثيرة والغثيان ولهيب يزداد اشتعالا.. 

فتحت عيني، يتصبب العرق من جبيني ووجهي وجسدي كله مبلل كأن أحدهم سكب على جسدي ماء ساخنا. جلست، بدأت أمسح العرق عن جبيني، نظرت إلى يدي، وجدت ما حسبته عرقا دما، من أين أتى؟ نهضت وأنا أرتعش، ذهبت إلى الحمام لغسله، لا يزول، أحك يدي بالصابون، أعدت النظر إلى يدي، وجدته اختفى، رفعت رأسي إلى المرآة، كان الدم يغطي ملامح وجهي، أنزلت رأسي بسرعة تحت صنبور الماء، أعدت النظر فلم أجد شيئا، لم أر دما نزل منه واختلط بالماء؟ آه.. رأسي يؤلمني. عدت إلى السرير أجر ما تبقى من جسدي يمشي معي.

ثم استدار وبدأ يمشي بخطى واثقة، حاولت أن أنهض من مكاني بجهد، كان بيدي مظلة، اتجهت نحوه، استجمعت كل قواي والحريق يزداد اشتعالا بداخلي؛ حطبه؛ كلامهم الذي يصطف بذاكرتي المخرومة أسيافا مغروسة، تنام وتستيقظ معي: “الزين ديالي” “مواح” “الكبيدة شي دورة” “الصلكوطة” “نتوما الدين ديماكم انتفلاو عليكم غير بالسكات” “..كلبة” “كلكلم بحال بحال”.. وتلك الأوجه المتزاحمة في الذاكرة..خلعت قبضة المظلة، اقتربت منه بخطى متثاقلة وخفيفة، رفعت المظلة إلى الأعلى بكل ما أوتيت من قوة وركزتها فيه من الخلف. 

استدار ونظر في عيني وهو يشير بأصبعه إلي، لم يستطع التكلم، لكن، يداه كانت ما تزال تتكلم، حاول بما بقي فيه من جهد أن يخنقني، حاول، لكنه، لم يستطع. كان الدم ينزف بشدة منه، ثم سقط على الأرض، سقط. بكيت، هرولت وأنا أنظر ورائي كمن يسبح في الفضاء من دون جناحين، أمشي فوق الأرض دون لمسها. أضحك دخلت إلى المنزل، أغلقت الباب، كان جسدي منهكا، وجدت التلفاز مشغلا، فيلم الجوكر وهو يرقص مبتسما، بادلته الابتسامة ودخلت إلى غرفتي، وبعد أن وضعت آخر رقم خارج ذاكرتي، رميت جسدي على السرير كي أرقص.. كي أنام.

قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com