مدائن الحب .. قصة قصيرة للكاتب المغربي رشيد سكري

مدائن الحب .. قصة قصيرة للكاتب المغربي رشيد سكري

آخر تحديث : الإثنين 20 ديسمبر 2021 - 4:32 مساءً

قصة قصيرة 

                                                           مدائن الحب

                                                                                                              

                                                                                                                  

 رشيد سكري

قاص من المغرب

قال مسز براون لزوجته : إن الوسامة تضمحل مع ظهور هذا اللعين .

أجابته الزوجة ، وهي مستلقية على الأريكة : وما غرضك بالوسامة ، وقد شارفت الخمسين سنة أيها الوغد ؟

الزوج ، وهو يتناول الجريدة اليومية ، ويلقي نظرة خاطفة على العناوين البارزة . قال لي،

بالأمس، الطبيب : إن الميلانين يطرد فحامة الجينات الوراثية ، ويعرضك للبهدلة .

نظرته نظرة شزراء ، وقالت : خذ موعدا مع طبيبة أحسن . فالطبيبات يفهمن في

الخلايا الجذعية أكثر من الأطباء .

اقترب مسز براون من الزوجة ، وظل واقفا بجانب الأريكة ، يصيخ السمع إلى طقطقات شفتيها المكتنزتين . أحقا ما تقولينه يا زكية ؟ !

في الصباح ، على غير عادته ، دلف الحمام ، ووقف أمام المرآة ؛ أشعل ضوء النيون الأبيض ، فهرع يبحث عن هذه الجذور ، التي هجرها السواد . أخذ بلسم مواسترزين وعصره بعنف فوق رأسه ، حتى بدأت رائحته تفوح خارج الحمام .

ـ ما هذه الرائحة يا مسز براون ؟ َبسّم الباب ، وخرج خلسة على أنامل أقدامه ، دون أن يجيب زوجته .

وجد الممر الضيق في شارع النصر خاويا تماما من المارة ، إلا من عمال النظافة، وصدى هديرهم يتيه بين الأزقة والدروب . اقترب مسز براون من باب عمارة ذات طوابق، وقرأ ،على لوحتها البرونزية المبثوثة في مدخلها ، مايلي : د. ماري فونتين أخصائية في التدليك بالزيوت الطبيعية … و استئصال زوائد الشيخوخة الظالمة.

انشرحت أسارير وجهه العابس … فأحس بهوى الشباب ينعش دواخله و يعاوده من جديد . وثب على الرصيف وثبا طفوليا … عانق فوانيس الشارع في دورات راقصة ، كما يفعل هاري بوتر في ” مدرسة الساحرات ” … إنه همس الجنون .

ـ أجمل بعودة الإنسان إلى مدائن صباه ، حيث العبث و الفوضى! … كان مسز براون خامس إخوته ، قضى طفولته بالقرب من شاطئ فوازييه ، حيث هدير أمواجه لم تفارقه مدة خمس عشرة سنة . هذا البحر الغوير علمه الصمود و التيه في الخلجان . يستطيع ، وبقوة اختراق عجيبة ، أن يربط أواصر مع سياح أجانب ؛ عاشقو الموج و البحر و الشمس والرمال.

شريط أحداث عاوده ، وهو ينتظر في طابور كبير من النساء الأنيقات ؛ الملتحفات في ألبسة الدانتلا الباهضة ، وروائح لبسيكولي الإيطالية يعبق بها المكان . طلبت المرأة المبسامة خلف مكتبها الزجاجي المعتم ، لا يظهر منها سوى شعرها الكستنائي المنفوش ، أوراق اعتماد الزيارة لمسز براون ؛ فسجلت اسمه على الحاسوب . ومن ثم رافقته إلى قاعة الانتظار ؛ ممر رخامي و مرمري صاف كالحليب ، يعكس أضواء ليد قوية الإضاءة ، كاشفا نمشا يتقافز على بشرتها القمحية.

ـ تفضل بالجلوس ، سيدي.

ـ شكرا . آنستي .

ـ عندما يفتح هذا الباب ، مشيرة إليه بإصبعها ، سيكون معلنا عن دورك سيدي .

بينما كان مسز براون يتأمل الموناليزا ، ولوحات فان خوخ المشنوقة على جدارات القاعة الملساء . جلس بالقرب منه رجل عجوز ، رأسه مشتعل شيبا . أخذ ألبوما من الصور ؛ وبدأ يتأمل  صورا ،  يشم فيها عبق الشباب . بنصف دورة على الكرسي ، حمل العجوز من الحقيبة مرآة وفرشاة و محلولا ذا لون أسود . فشرع في تخضيب شعره بالسواد. اقترب منه مسز براون في ذهول.

ـ عفوا سيدي ، ما هذا المحلول ؟

ـ فأجابه : إنه آخر قطار إلى مدائن … الحب.

=======================

قصة خاصة لصحيفة قريش  – ملحق ثقافات وآداب. – لندن

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com