أسْتجيرُ بـِذبالَـة الذاكِرة..  قصيدة للشاعر المغربي محمد شاكر

أسْتجيرُ بـِذبالَـة الذاكِرة..  قصيدة للشاعر المغربي محمد شاكر

آخر تحديث : الإثنين 27 ديسمبر 2021 - 5:37 مساءً

أسْتجيرُ بـِذبالَـة الذاكِرة.. 

محمد شاكر 

شاعر من المغرب 

لَعَلي أكْذبُ ، إذ أرْمي شباك الكلام

ولا أصيدُ الشبيه ، في غاب ِالذكرى

كما أوْهَمتني الظنون.

ربَّما ، كنتُ ، الذي يَمْلأ النهار

بفائِض وَهـْم

تمْخـُره سُفن العُمر..

ولا ترْسو على شَط.

أشذبُ مِنْ كَثافَة الأشْياء، كي يَنفذ مِن فَجَواتِها

ضَوءُ المَعْنى..

وهَواءٌ يُنْعِش الْيَقينْ.

كلما زادَ قولي،  اتسعتْ وشاية اللغات

ومَحتـْـني الإشاعَة.

وأنا هُناكَ في أقـْصى احْتِمالات البوْح

يُفاجئني ضبابٌ كثيف.

أقول:

ربَّما يوجَد في الظل، أوْضح ممَّا

تكشفه أضواءُ الشمس.

ضوْء مِن وراء نافذتي

وأنا أسْرجَ البَصيرة ، إلى أقـْصى ما في الضَّوء.. 

مِن شفافية الكلامْ. 

ولا تَمامْ..

حين يُخيِّب الغمامُ بَصيرة الشِّمس ..

يَأتيني النَّهارُ حَسيرَ الضَّوْءِ..؟

تمْحوني الكلماتُ

وأعيدُها كـَرَّة ً..

لعلها تُجَليني

إلى أنْ يَشْملني المَحْـو.. ينزاحُ اليقينُ.

هُو انْكِفائي. ..

ريْثَما يَنْقشِع الغُبار

عَنْ أمَلٍ..يمْشي مَسافاتٍ قَبْلَي

في وَهَنِ العُمر.

ينقُص اليومَ..تَمْريرُ فُرشاةٍ على قَسَماتِه

يَنْزاحُ عُبوسٌ

يَفْتَّرُ ضوءُ اللوْحة..

تستبشرُ الروحُ بمدِّ الألوان.

لكنْ.. يَسْلبني الضَّجيجُ بلاغة َ الصَّمت 

ولا أحدٌ يـُنـْجـِدُ وُضوحي الهادئ.

النافذةُ عَشواء، رحَل الضوءُ عنـْها..

لاترى أبْعدَ مِن خيبةِ الزُّجاح..

تلعثمتْ بَصيرةُ المَساء

وأنا أسْتجيرُ بـِذبالة الذاكرة

وقـِنديلِ الرَّجاءْ..

لأضِيءَ يوْمي..؟

لا جـِسر.. أعْـبُرهُ إلى ضَفتي المُشتهاة ٍ

بـِجناح حُلم ، لا يَجْرفـُه التـَّيار.

لا أزالُ على أهـُبَة..

وإن طالَ انتظاري

على عَتبات وقـْت ٍ مَرير.

ولنْ أخفضَ الجَناحَ..

مَهْما عَلتْ قِممُ..الأحْلام.

ما أرْحَبني.. حينَ أهـْزم ضَيقي

أكتبُ نـَشيدَ الفرح البَهيج ِ بدمِ الجراحِ..

وأسْبَح في انْسيابِ غـُدْرانها.

أمْشي، وعَلى كتفي

أثرٌ مِنْ ليْل ٍ..

أنـْفضهُ بـِيـدٍ مِن أمَل

فـَيشعُّ ضَوْئي في الأنْحاء.

أنيمُ وجعاً عارماً.. بترنيمةِ أمِّي البَعيدة ،

وأغـْري ما تبَقى مِن شَغبِ الطفل

يَنطُّ على حِبال الوقـْت..

ولا نَقـْعَ يُـثارُ.

ما أسْعـَدني بي..

حَبلَ نجاة ٍ

يُنْجدني مِن غـَرق وَشيك ٍ، في خِضَم اليَأس ِ.

في نهار ٍ..يُكلـِّمني بـِصَفـْو ٍ

تشرق في الرُّوح مَرايا الأيَّامِ

بكل الموجات الأثيرة.

كم شقشقة..

وحَفيفاً .. يَعمُر أفياءَ نَهار..

وفيٍّ للذكرى..

أضُخّ فيه دمَ الأسطورة

فـتـَنتعـِش السّاعات.

كم يَلزمني مِن نباهة ِالكلمات

لأسترَ عُريَ نهار ٍ بئيس

سقطتْ عنهُ نياشينُ الحياةْ.

أبَدِّل شيـْئا ما في لحظة ٍ مُنـْزوية

في أقصى البيت ، ليستقيمَ دفءُ البَياتْ.

والليلُ الذي خَلا مِني

أسْتعيضُ عنـْه بـِليل ذاكرة ..

تحْفظ نـُكـَهَ الوهْم ِ القديم ِ.

أتوهـَّمُ موسيقى

على مَسرح الحياة الفقير

وإضاءَة..أخـْرى

عسيرةً على العين ِ

لأشَخِّص دورَ العُمر..

لا أغْلِقْ نوافـذَ أحْلامِي

فثمَّة دائِما نَسائِمُ

تُهفْهفُ سَتائِرَ المَعْنى

وتُنْعشُ ضَيْقَ الأملْ.

ومع ذلك..

قد لا يَدل عليَّ شيءٌ

سِوى كلمات ٍ

تقمـَّصتْ وجَعَ الأيام ِ

وبوحَ الأعماقْ.

غيَّرتُ المَكان

لكنَّ أمْكِنة الرُّوح تأبَى’ إلا أنْ تَلْبسَ المَكان الجَديد..
تقذف بي إلى عَرائي.

لا أحَد..

يُنازعُني الإقامَة في الكلمات..

ولنْ أفْرِغ السَّكَن

عِنْد انْتهاءِ عُقْدتي مع الأحْلام.

بالشِّعر..

أعللُ نبْضَ القلْبِ

بِوهْم جَميل ..يَمْسحُ غيْمَ المَكان..؟

يُضيئُني في أحْلَكِ حالاتي

يُلبِسُني قميصَ الصَّبر..؟

كمْ مِن ذِكرى

تَذْوي في أصيصِ النِّسيانِ

أنْعَشُها ماءُ الحُلم الخَصيبْ.

بالشِّعر..

كمْ رَفَلتُ في ثوْب خَيالٍ

ودَلَّ عليَّ الحَرفُ

بضوْءٍ خَفيف اللمعانْ.

ولا أحدٌ يَهْمس حتى في الأغاني

لا بُدَّ مِن بوق ٍ..

ليعلو مَنـْسوب الصَّوتِ..

أحَدٌ..

منذور لـِبُطئ الساعات، وارْتـِجال الخـُطى

على رَصيف خال ٍ

مِن مواعِد الحياة.

أحَدٌ

لا يُشـْبهُني في سالـِف البداياتْ

أكـْرعُ مِن كأس الحياة..

سُلافـَة حُلم

وطيـْشَ الولـدْ.

لا أحـَدٌ في الأحـدْ

ها أنا أسْتحْضِرُ

ضَجيجَ الأيَّام الأخرى

لأحْيا فـَراغ الأحَدْ..

في خاتمة النـَّهار

أو عَلى مَشارف ذِكرى

ليَمْتلئ المكانُ بجَدْوى الحياة.

حتى في اليوم السَّابع

حين تـُراجع الحياة ُ

حالاتِ الغـِياب..

لا أحَد.. حين يَكبو بي الكلام ُ

وأغـَرْق في لـُجِّ الصمت.

لا أعيرُ خُـطاي ، انزلاقَ الإيقاع ِ

وأنا أمْشي سَوِّيًا 

على هُدى الخَرائط.

تأتيني السَّقْسَقاتِ مِن مَفْعولِ الشِّعر

وإنْ أخْفَى بعْضَها صَخبُ الوقْتِ.

يَحضُر الشِّعرُ قبْلي

يُنبِّه غفوةَ أحْلامي

يُمشَّط شَعْرها قبْل انْدِلاعِ فوضى النَّهار.

أفْتحُ مِزْودةَ الكَلام فَيَنْهرقُ اللاّمعْنى

أحوشُ بعْضَ البَلَل

أنَقِّب فيه عنْ معْنى نادِر

يَتَناهى في الصِّغَر.

هُناك دفـْق غزيرٌ 

لا تستوعبه لغة

لا مصب له في مُحيط المعـْنى

يضيع في صَحارى النـِّسيان..

ولا نَشيدْ..

إذْ نَفى الوقتُ أسْرابَهُ خارجَ الحُبّ

وسَيَّجَ القلبَ بأسْلاكٍ وحَديدْ.

لا نـَشيد..

لأنـْتشي ، وعُزلتي

في حان ِ الصَّمْت البَلـيدْ

إذ تـُعْـوزني كأسُ العـُمر البَعـيدْ.

11.02.2018

===========

قصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب  – لندن 

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com