نصرت مردان والموت بحسرة الوطن

نصرت مردان والموت بحسرة الوطن

آخر تحديث : الإثنين 29 أبريل 2024 - 11:22 مساءً
Screenshot 2024 04 29 at 23.09.46 - قريش

توفيق.jpg د. توفيق رفيق التونچي

برحيل الأديب نصرت مردان تفقد مدينة كركوك احد ادبائها من جيل ما بعد “جماعة كركوك” الادبية،اذ  عاصر معظم اعضاء الجماعة وكان صديقهم ولكونه ينتمي الى عائلة معظم ابنائها من الادباء والشعراء والفنانين ،اخوه المرحوم محمد مردان كان احد شعراء المدينة وكذلك اخته المرحومة ليلى مردان وزوجته السيدة سلمى مردان كما ان اخاهم المرحوم بهجة غمكين كان موسيقارا. العائلة تركت ميراثا ادبيا تفوح منه رائحة المدينة واحيائها. الكتابة عند الأديب والشاعر والمترجم نصرت مردان توازي أهمية الماء للأسماك. البحر ها هنا، وطن يسمى مدينة النار والنور والقصيدة الضوئية “كركوك ” المدينة التي ولد فيها عام ١٩٤٨.

 ان تكتب في تأبين صديق رافق جزءً من سنوات حياتك يعيد  ذكريات نصف قرن من الزمان. حين بدأ المرحوم بفك أسرار الكتابة، كتب قصة قصيرة ترجم فيه شعوره نحو فدائيي فلسطين وهو يرى تجمعهم تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية أوائل الستينيات. وعلى عادة ادباء ذلك الزمان قرر إرسال قصته للنشر في بيروت. طبعا كانت عيون الرقيب حاذقة فمسك بالرسالة بمهارته المعهودة في الشرق واقتاد كاتبنا الى غرف الأمن السرية والمظلمة ،ليسأله ويستفسر عن سر تلك الشفرات السرية المرسلة من قبل الفدائيين في القصة التي كتبها والتي كان الفدائيون يتواصلون ويتخاطبون بها بينهم. 

Screenshot 2023 02 05 at 12.38.17 - قريش
نصرت مردان

طبعا كل تلك الشفرات كانت من وحي خيال الكاتب. أين الأدب الرفيع من رجال الأمن الجَهلة حتى النخاع. طبعا بعد التحقيق الممل وتدخل الطيبين بالواسطة اخلي سبيل المراهق نصرت وعاد الى بيته تائبا على ان لا يعاود الكتابة ب “الشفرة “.ليس هذا مجرد قصة رواها لي صديق دراستي الجامعية والذي سكنا معا في نفس البيت لسنوات، بل احداها فقط من بين  سلسلة من المحطات في حياة الشاعر الرهيف الذي أحب الحياة لان فيها “سلمى” وأحب العراق لان فيها سومر وفرات وبقى على سجيته الرومانتيكية يكتب على قطرات المطر اماله شعرا . كتب لي يوما يقول:

انا ضال والقلب ثمل

 اتكسح في الحانات

لأني افتقدك

بعد ان اكمل دراسته الجامعية في مدينة ازمير الساحلية عمل مترجما في الملحقية الثقافية العراقية في انقرة والتي كانت فارغة من الثقافة بدونه.بعد دراسة الماجستير عادالى العراق ليعمل في جامعة صلاح الدين، وهنا مرة اخرى احبه الدارسين والتدريسيين وساهم في الحياة الثقافية مع زوجته النبيلة. ثم جائت الأحداث فسقطت أربيلعاصمة الإقليم وسارت الدبابات في شوارعها.

فكتب:

سودا بالغ يان گيدر*

وإشعار كثيرة في مجموعة ” شفق” مع عدد من الشعراء المحدثين امثال    محمد عمر قازانچي و الشاعر عصمت اوزجان وذلك لكسر الجمود الذي بقى يلازم الشعرالتوركماني منذ عصور. لكنه بقى حالما بمعبودته فكتب امنيته التي لم تتحقق؛

إلهي

أنا

لا

أبغي الجنة ولا النار

الموت في كركوك

جل مبتغاي

ترك الوطن الكبير والصغير واللجوء الى المنفى الى الجار القريب تركيا وبقى لسنوات في معسكر سلوبي للاجئين قبل ان يلحئ الى سويسرا.  وذاق المر في ذلك المخيم  الحدودي وكانت تلك السنين  ” عجاف” وكتب عن تلك الأيام والشخصيات التي عاشرهم عن قرب وذاق هو وعائلته الأمرين من القريب والصديق والرفيق في وداع اسيلوپي.

Screenshot 2024 04 29 at 23.10.46 - قريش

كتب فيه راويا ايام ذلك المعسكر قائلا:

“أقسم بالله لو كنت في الجبل كما كنت قبل أعوام، لما منحته فرصة كي يتنفس. كنت سأسكت فيه صوت الشر والشيطان برصاصة واحدة لا يزيد ثمنها عن مائة فلس!.. لعن الله الأمم المتحدة وحياة اللجوء التي حولتنا إلى أن نكون خرافا أمام المعاصي والمنكرات في هذا المعسكر اللعين.”

انتهى به المطاف على ضفاف بحيرة “جنيڤ ” الخالدة

وبدات رحلة جديدة من حياة المنفى. كتب موسوعة “توركمان العراق” ونشر فيها كتاباته. كما نشر في المواقع العراقية على الإنترنت وفي الجرائد العراقية وجلالمطبوعات في الخارج ونشر ذكرياته عن احدى شوارع وطنه الصغير وأبدع في الحوار والسرد الذي يصل الى درجة القصيدة النثرية. كما ابدع في الكتابة المسرحيةوترجم الى العربية معرفا قارئ العربية بالموروث الثقافي والأدبي للشعب التوركماني في العراق.

٢٠٢٤

*القوريات من الانماط الشعرية الخاصة ب تركمان العراق  شعر رباعي موزون . البيت من اشعار المجموعة الشعرية ” شفق ” طبع الكتاب في مكتب المنصور للطباعةفي كركوك والديوان لمجموعة من الشعراء الشباب حاولوا فيها كسر طوق هيمنة الشعر الكلاسيكي الذي لا يزال يهيمن على مجمل الابداع الشعري للشعراء التوركمان ،وقد صدر الديوان عام ١٩٨٨ ويشمل ابداعات الشعراء؛ نصرت مردان ، الاستاذ عمر قزانجي و عصمت اورجان.

*تجنح السمكة في مسيرها. عنوان أغنية تركية تراثية.

image1714039739720.png
رابط مختصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com