الخريطة التاريخية للانتماء العراقي

الخريطة التاريخية للانتماء العراقي

آخر تحديث : الأحد 10 سبتمبر 2023 - 3:00 مساءً
342975647_891516115473069_6295837616237266365_n.jpg


عشت أصلي أؤدي المناسك

اسعد ما أكون بعبادة والاحتفاء بأعيادها

وكذا أمرت أهلي ان يمجدوا الآلهة تمجيدي

وكل ما يصدر عن الملوك من فعل حكيم عزوته إلى الآلهة

فها هو ذا المرض يدب في أعضائي ويحرمني نومي

وما أخذت الآلهة بيدي

قصيدة بابلية

roundcube 1 - قريش

 د. توفيق رفيق التونجي

“تورلو” اكلة شعبية تركية وبالعربية تعني “مشكل” وتلك طبخة توافقية لحل أزمة الاقتصادية داخل ميزانية الأسرة الفقيرة نهاية كل شهر حين تجمع ربة البيت ” المدابره” ما تبقى من خضراوات وتجمعها في طبخة واحدة وتنقذ الموقف كي يشبع جميع أبناء العائلة ويملون بطونهم الخاوية. 

هذا حالنا في العراق “مشكل” بلد المتناقضات وحالة نادرة بين دول العالم تاريخيا.  ففينا من تعود أصوله الى السومريين والبابليين والاشوريين والحثيين والعيلاميين والميديين والعرب الحجازيين واليمنيين والساسانيين واليونانيين والفرس والتوركمان والمغول والأتراك والكورد والهنود والافغان والغجر والاذرين والارمن،  والاعجام  جميعا يعني حتى الانكليز والامريكان  . منذ فجر التاريخ كان العراق وطن شعوب  من لم يفهم هذه الحقيقة البديهية هم جميع التيارات السياسية. اما كل من يرفض حقيقة وجود دجلة والفرات على ارض العراق وانهما هبة العراق فقد دس رأسه في الرمال كطائر النعام. 

العراق بلد الملوك العظام ،عادلين وطغاة ،والعلماء والشعراء والأدباء والفنانين شعب قدم للبشرية الكتابة والحضارة والتمدن. شعب بنى وعلى وهدم فيه الجنائن المعلقة ، قوانين حمورابي و مراقد ائمة وصحابة وصالحين كرام. فيه صحراء كربلاء وحديقة عدل تغنى بها الدنيا ودار حكمة أنار الدرب للعباد.

لكن حتى حضارات وادي الرافدين القديمة لم تكن متجانسة وفي حروب داخلية مستمرة فيما بينها. هذا الصراع لم يخبو حدته لحد يومنا هذا. ليس من السهولة العيش المشترك في تركيبة فريدة لشعب تعددي الأعراق والعقائد والحلل والملل. شعب لا يزال يعيش تناقضات حضارية ويتارجح بين ثقافة البداوة والحضارة كما كان يوصفه الباحث الاجتماعي الجليل المرحوم الدكتور علي الوردي قائلا “وهاب ونهاب”.

حتى الأحزاب السياسية لم تفهم هذه التركيبة المعقدة وبقت متقوقعة في فكرها لا بل تعمل من اجل فقط حاملي تلك الأفكار وهذا يشمل الجميع ودون اي استثناء. كذلك هناك مجاميع معارضة للسلطة إصلاحية تتجمع في إحدى الساحات وتتظاهر بين الحين والأخر ضد الفساد وتتجمع في الساحات كما هم شباب تشرين ويقدمون التضحيات من اجل الدفاع عن المظلومين من ابناء الشعب. اما الأحزاب القومية فانها اختزلت الشعب في قومية واحدة والأحزاب ذو التوجهات  الدينية اختزلت الشعب في طائفة واحدة وهناك أحزاب تمثل السريان والكلدان أي المسيحيين من العراقيين ناهيك عن التقسيم الفكري بين اليسار واليمين والمعتدل والمستقل وهناك كذلك احزاب او مجاميع تمثل جزء من قوم وحتى عقيدة دينية في احدى المدن ولا وجود لها في المدن الاخرى.

 وفي غياب حزب وطني عراقي يمثل أطياف الشعب العراقي كافة ، و يوحد أبناء الوطن و الجميع يعيش العراق متارجحا كالسفينة بين الأمواج العاتية . الأحزاب الدينية الشيعية تنقسم من مؤيد لإيران لتقليدها المرجعية في قم  واخرى عراقية لتقليدها مرجعية النجف الأشرف اي للمرجعية العراقية واخرى تابعة لرجل دين ورثها ابا عن جد واخرى مؤيدة للغرب وحتى لأمريكا. ناهيك عن كل ذلك هناك دوما صراع داخل تلك الأحزاب وانقسامات كبيرة داخلية تؤدي دوما الى صراع دموي داخلي وتصفيات جسدية للمعارضين مع وجود مليشيات لكل حزب وما يسمى كذلك الجهاز الصدامي (بكسر الصاد) حيت تلك الميليشيات المسلحة تعتبر نفسها فوق القانون ويؤدون المهام الملقاة على عاتقهم حسب رغبة تلك الأحزاب. اما الجيش العراقي وبعد 2003 واحتلال العراق فتحول الى جيش رمزي وذو ميزانية متواضعة بعد كان جل الثروة الوطنية العراقية تصرف على وزارة الدفاع ووزارة التصنيع الحربي ابان العهد الدكتاتوري السابق.

هذا التقسيم مشابه لما نراه حتى في احزاب طائفة السنة فنرى مثلا ان هناك من مؤيدي المملكة السعودية وقطر وتركيا ومصر وهلم جر. نعم انها كما قلت “مشكل”  وهم العراقيون ومنذ الازل لا يجدون بينهم قاسما مشتركا واحدا يوحدهم. الصراع يحتدم على أشياء يعتبر جانبية وفرعية لا يهم المواطن وصراعه من اجل الحياة ولقمة العيش وبغياب استراتجيات مستقبلية تمتد التشكيلات الحزبية لتشكيل ميليشيات مسلحة تابعه لها وأجهزة أمنية واستخباراتية حزبية  ناهيك عن هذا وتلك يتقدم المشهد السياسي اسماء دكتاتورية المنشاء الفكري والعشائري وتعتبر نفسها فوق السلطة والقانون لا بل لها قوانين واعراف خاصة بها. في خضم هذه اللوحة المأساوية يزداد المسالة و الوضع تعقيدا بتدخلات دول الجوار والمجتمع الدولي في الشؤون الداخلية للبلاد.   

هذا الاخير يقسم الوطن مرة اخرى بين مؤيد يطبق اجندة مرسومة مسبقا لهذه الدولة او ذاك. العجيب ان الشعب العراقي كان يغير اتجاهاته الفكرية مسايرا مع فكر الحزب او القوة الحاكمة حتى ان حزب البعث مثلا رفع شعارا مفاده ان جميع العراقيين بعثيون و عرب لرفعهم شعار “امة عربية” وان لم ينتموا الى الحزب رسميا. فمن كانو يحملون يوما سيارة الزعيم عبد الكريم قاسم على اكتافهم هم نفسهم من رفعوا من شان صدام لاحقا الى ان جعلوا منه دكتاتورا. نعم انهم نفسهم اللذين كتبوا القصائد في مدحهم وتغنوا بأسمائهم ورفعوا الشعارات وهتفوا:

 بالروح وبالدم نفديك يا ….

 هؤلاء اليوم يرفعون الشعارات الدينية ويتباكون على سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله عليه وسلامه. 

هذه الخريطة لانتماء القوميات العرقية والعقائد المختلفة في العراق تتكرر على مر العصور وكذلك نعيشها عاما بعد عام وكل ذلك تنعكس يوميا في الأخبار وفي وسائل الإعلام المختلفة وعلى منصات الانترنت، قارئي الكريم.

الصورة:

 لتمثال كوديا، الملك العراقي العادل والحكيم في المتحف العراقي والتمثال الأصلي يمكن مشاهدته في متحف اللوفر في باريس، فرنسا.

الأندلس

2023

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com