لا تسأل عن إيران بعد التسوية التركية السورية، والعراق سيشهد انزلاقات التربة السياسية

لا تسأل عن إيران بعد التسوية التركية السورية، والعراق سيشهد انزلاقات التربة السياسية

آخر تحديث : الأحد 1 يناير 2023 - 7:07 صباحًا

2023 عام بشار الأسد بامتياز

بقلم المراقب السياسي – لندن

السؤال الذي لم تجب عليه أيّ من الدول التي تُعنى بالشأن السوري، ونقصد روسيا وتركيا، وسوريا نفسها، هو ما مستقبل النفوذ الإيراني في سوريا تحديداً؟

موسكو ترعى بجدية الحوار المباشر بين انقرة ودمشق الذي أطلق الرئيس التركي اردوغان إشارات قوية حول حتمية تحقيقه منذ شهرين، وها هو الان أصبح واقعاً بعد الاجتماع عالي المستوى عسكرياً واستخبارياً بين الجانبين السوري والتركي في روسيا قبل نهاية العام المنصرم، ونتوقع لقاء الرئيسين إردوغان والأسد في الربع الأول من العام الجديد 2023.

هناك حاجات مُلحة للدول الثلاث من أجل حسم ملفات عدة والتمهيد لاستقامة العلاقات، لاسيما بين تركيا وسوريا، وهي غاية روسية مستحقة اليوم.

اثنا عشر عاماً من الحرب في سوريا، وفي النهاية تبقى دمشق بما يمثلها من نظام سياسي هي العنوان الأوحد لتحاور العالم معها، بعد أن تلاشت ذاتياً أو بفعل عوامل خارجية جميع العناوين الأخرى التي ظهرت في ركاب الازمة السورية. وهذا توصيف محايد واجرائي لواقع يراه الجميع ليس أكثر، بالرغم من تشويش الصورة أو تكسّر أطرافها أحياناً أو دائماً.

روسيا دخلت في حرب استراتيجية من النوع الأول مع أوكرانيا، وهي حرب لا تقارن أهمية مشاركة الجيش الروسي فيها بما يفعله في سوريا على الأرض أو عبر القاعدة الجوية ” حميحيم “في طرطوس. ومن منطلق تغير الأولويات، تسعى روسيا الى اجراء تسويات إقليمية لكي تضمن تقليص نشاطها واستنزافها العسكري في سوريا، والعقبة الإقليمية الأولى هي تركيا التي تتحمل عبء ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها كما انّ لها وجوداً عسكرياً داخل الأراضي السورية وهي في طور اشتباك دائم ومستمر مع مسلحي حزب العمال الكردستاني المحظور لديها والذي يحتمي تحت عناوين أخرى في مناطق سورية خارج سيطرة حكومة دمشق. وهنا تراعي روسيا الحذر في تلبية اشتراطات تركيا بوصفها حليفاً جوهريا يمسك العصا من الوسط بينها وبين الغرب بما يخدك المصالح الروسية في حرب أوكرانيا.

هناك مشتركات عدة بين تركيا وسوريا اليوم، منها ما يخص ترتيب إعادة اللاجئين الى مناطق في ادلب وحلب وسواهما. ومنها متعلق بتوافق البلدين على خطورة الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني داخل سوريا وبمحاذاة الحدود مع تركيا والعراق معاً. وبذلك تكون حاجة المنفعة الأمنية مشتركةً أساساً بين انقرة ودمشق، وليست أحادية من طرف واحد.

من هذه المقتربات ستكون تركيا قد أسهمت في إعادة ترتيب البيت الأمني السوري من جهة بسط السيادة على كامل التراب السوري من دون اضطرار  دمشق لتقديم تنازلات إضافية كانت قد أقدمت عليها لصالح التنظيمات الكردية على أراضيها بسبب انشغالاها بحرب الحفاظ على وجودها السياسي والإقليمي .

ما يهم روسيا هو أنْ تشترك تركيا في ترتيبات الاستقرار عبر بوابة الحكم في دمشق، لكي يكون التعاطي السياسي والدولي مع عنوان واحد بشكل حاسم ومن ثمّ تتم عملية تصفية وتفكيك جميع المسميات المرحلية الأخرى، حتى الموالية لتركيا، كما حدث ذلك مع مسميات كانت كبيرة في الاعلام واليوم أصبحت في خبر كان.

 أمّا ما يقال في موسكو أو عبر ما يصدر عن الاجتماع الثلاثي الروسي التركي السوري في انّ كل خطوات تنسيق العلاقات واجتماعات التسوية والسلام تنتظر مواكبة الإصلاح السياسي في سوريا، فذلك من شعارات الاستهلاك الاضطرارية لجميع الأطراف لرفع الحرج، ذلك انّ البرنامج السياسي لدمشق لن يتغير تحت أي ظرف مقبل، لأنَّ أي ظرف لاحق لن يكون أكبر من الحرب التي مرت في سوريا ولم تحدث أي تغيير سياسي.

أعود للسؤال الذي يكاد يضيع وسط كثرة الأولويات في اجتماعات المحور الثلاثي الروسي التركي السوري، وهو عن النفوذ الإيراني.

 إنَّ دمشق أعرف من سواها بالخطوط الحُمر التي لا يمكن تجاوزها مع إسرائيل، وإلا تعرضت لحرب لن تكون مستعدة لها بعد الانهاك الذي أصابها سنوات طويلة، كما انّ روسيا تقف ضد وقوع مثل هكذا حرب. وبحسب هذه الحقائق، لن يكون هناك تفاقم في النفوذ الإيراني اكثر مما هو عليه الان، بل انَّ مجريات الامور بعد بسط السيادة السورية في شمال وشرق التراب السوري والتسوية مع تركيا ستفرض واقعا جديدا يلوح فيه العد التنازلي، وسيكون في خلاله، الدور الإيراني ناشزاً بحد ذاته وغير قابل للتفاقم والانتفاخ والتمديد بما يجعل الأراضي السورية منطلقاً لجر دمشق الى مواجهة مع إسرائيل، وهذه علائق دقيقة تعيها دمشق بحذر وتأنٍ.

 لا يستطيع المراقب السياسي أن يتجاهل حقيقة انَّ الوضع الإيراني بعد غياب الجنرال قاسم سليماني مختلف عمّا كان في خلال وجوده الطاغي والمزاحم للعناوين السيادية السورية كواقع حال، لم تكن دمشق لتقبل به على طول الخط حتماً.

أمّا في حال تفاقم الاحتجاجات الجارية منذ خمسة شهور داخل ايران، ومن ثمّ الاحتكاك التصادمي مع الولايات المتحدة بشأن الملف النووي، فإنّ هذين العاملين سيضعان الدور الإيراني في الخارج على المحك، وهنا الخيارات  تبقى قليلة بعد اعلان العراق “رسمياً ” انه يرفض أن يكون منطلقاً لحروب إقليمية ودولية، فضلا عن انَّ سوريا تعي علاقة الحدود مع حلفائها حتى لو كانوا بمستوى ايران وحزب الله.

 في خضم هذه المعادلات التي تقع سوريا عنصرَ تفاعلٍ وارتكاز حتمي فيها ، يبدو وضع العراق تحت ظل اغلبية الحكم التابعة في ولائها لإيران، هو المنطقة الرخوة التي ستحدث فيها انزلاقات التربة السياسية والأمنية على نحو خطير وحتمي من الصعب جدا تفاديه.

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com