الدكتور يوسف الريحاني
على مدار قرن مضى؛ عاينا فشل مشروع “الدولة القومية” الذي كانت الإيديولوجيا محركه ووقوده. راعنا حجم النتائج المتواضعة التي انتهت ببعض أقطارنا إلى كوارث ورمت بالبعض الآخر إلى الانهيار التام. بيننا مَن داهمه اليأس ومنّا من سكنه إحساس العدم. عاينا أيضا فشل الدعوات الاشتراكية رغم بريق شعاراتها؛ وانتهاء الأصولية إلى تعصب مقيت؛ حتى أن واحدا من أعلام الحداثة الشعرية العربية صرح لقناة فرنسية وط هذه النكسات؛ بأن حضارتنا العربية قد ماتت وليس علينا إلا أن نواريها التراب.
وللحق كادت هرطقة هذا الشاعر أن تذهب بالبصيرة؛ لولا هذا الانبعاث الذي تشهده المملكة العربية السعودية والدال على مغزىحركية التاريخ. ذلك أنه وسط هذا الكم من التشاؤم الذي حد من كل محاولة للتفكير في أسباب هذه النكسات؛ والتي لم يكن مردها سوى التأثر غير المدروس بالنزعات الوضعانية التي غالت في الدعوة للقطيعة مع الماضي، والانسياق وراء سراب الإيديولوجيات؛ في عصرأعلن موت الطوباويات.. ستنبثق من قلب العتمات، أنوار من بلاد الحرمين؛ تجسدت في رؤية 2030 كأول مشروع عربي- إسلامي يتغياالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحاني بلغة العصر الليبرالي. إذ وضعت هذه الرؤية النهضوية نصب أعينها ضرورةالقبول بالجديد، لكن في تجاور بديع مع روح الماضي العتيد؛ مؤمنة بأن التحديث الحقيقي إنما هو مشروع إحياء وإصلاح لا قطيعةوثورة؛ عمل دؤوب ومتواصل وفق تخطيط براغماتي، لا مجرد شعارات نخبوية وطوباويات بائدة) الإيديولوجيا (
ولم يكن صاحب هذا المشروع الإصلاحي الكبير، وحامل لواءه قولا وفعلا، سوى السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ المصلح المستنير الذي امتلك مفاتيح التغيير وقوته؛ فاستطاع في ظرف وجيز أن ينقل المملكة العربية السعودية إلىمرتبة أعظم شأنا مما كانت عليه في السابق؛ بحيث سرعان ما حجزت مكانها ضمن نادي العشرين الأوائل. وما يزال عمل سموهمتواصلا والطريق أمام المملكة معبدة بفضل هذه الإصلاحات الجذرية؛ حتى يضمن هذا البلد الأمين المكانة اللائقة به ضمن نادي العشرةالأوائل؛ كما يتنبأ بذلك كبار الاقتصاديين..
بفضل الإصلاحات التي أقرها السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، تحررت النساء وخرجن إلى ميادين العمل، كما صار ينظرإلى الشباب كوقود للتغيير الهائل والسريع. أعيد النظر أيضا في الكثير من الآراء الاجتماعية والاقتصادية التي ظلت إلى وقت قريب منالطابوهات؛ وتحرر التعليم وانفتح على العالم، ما فسح المجال أمام العلماء ليجتهدوا في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
غير أن الأهم من كل ذلك، أن المملكة صارت منارة للسلام؛ وحاملة للواء التسامح الديني والتعايش بين الثقافات الثلاث؛ ماسيبشر بوضع جديد للمنطقة سيعود بالنفع على الجميع؛ بعد عقود من الصراعات الدموية التي عصفت بأوراح مئات الآلاف من الأبرياء.
يحسب لهذه الرؤية أيضا تنزيه الإسلام الحنيف من كل الحماقات التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة باسم العقيدة؛ فبدأ هذا الدينالعظيم يسترد دوره الحقيقي في التنوير والانتصار للعقلانية، كما كان شأنه افيال الماضي. ذلك أن الرؤية الثاقبة لسموه لا تقتصر علىالحديث المجرد عن الراهن أو إنتاج اللحظة فقط؛ بل تتعداها إلى تفكيك منظومة التراث وإعادة وصله بأصله الحقيقي من جديد، فلا يقبلمن هذا التراث خارج كلام الله سبحانه وتعالى وحديث رسوله الكريم؛ إلا ما شهدت له الحواس وفرضته بداهة العقل. في هذا الإطار،صرح السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى مجلة أتلانتيك الشهيرة، قائلا: (نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسولعليه الصلاة والسلام، والخلفاء الأربعة الراشدين، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلكالمجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها. وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور،إلى الشيء الحقيقي. (
لا إصلاح حقيقي للدين الإسلامي الحنيف إلا باسترداده ممن اختطفوه وحرفوه؛ بحسب ما اقتضت ذلك مصالحهم الذاتية؛ ثمالعودة به إلى تعاليمه السمحاء في العهد الأول للدعوة. هذه هي الروح السعودية التي شيدت هذا الصرح الحضاري المتعاظم كل يوم.
تكمن عبقرية السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في انتصاره لمبدأ أن العمل هو ما يتضمن معياره الداخلي الخاص به؛ ومن ثمفإن تحقيق حلم المعاصرة الذي فشلت في تحقيقه كل المشاريع العربية السابقة، لن ينبثق من مجرد لوك أفكار مجردة عن المتغيرات التيمست كل المجالات؛ بقدر ما سيتحقق من خلال العمل وحده. ولا يجد هذا العمل منطلقه إلا من القرارات الجريئة والحاسمة التي يتخذهاالحاكم المستنير، ليس بهدف إرضاء طرف خارجي؛ لأن ذلك سيكون مجرد عصرنة؛ وإنما كل قرارات سموه فيما يخص الاقتصادوالمجتمع، تأتي بالدرجة الأولى استجابة للحتمية التاريخية التي فرضها التطور على المملكة العربية السعودية وكل منطقة الشرقالأوسط.
لقد شكلت المجتمعات العربية الإسلامية دوما مجتمعا قبليا وأسريا في غاية القوة والعنفوان؛ ولكن المشكلة التي صارت تواجههذه المجتمعات ذات التاريخ المشرق في عصر الميديا-النيوليبرالي؛ إنما تكمن في ضرورة إيجاد معادل لهذه القوة من خارج النزعاتالتقليدانية؛ ما قد يدفع بالمجتمع السعودي الذي هو طليعة المجتمعات العربية والإسلامية في العالم إلى ضرورة القبول بمسألة الجديد؛ويسهل انخراط هذه المجتمعات في روح العصر.
لقد قيل دوما بأن المملكة قوة مهابة من لدن كل الأمم؛ وتردد ذلك في وقت اعتبرت فيه السعودية وكأنها في إغفاءة؛ فكيف وقد استيقظت الآن مع إصلاحات السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان التي مست كل مظاهر العلاقة بين الدولة والمجتمع، في إطار من الالتزام بقيم التربية الروحية لهذا المجتمع الضارب في جذور التاريخ؛ مع إبداء روح التسامح الفكري والقبول بالآخر.
وعندما نقر بأن السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ذو فلسفة إصلاحية، وصاحب رؤية جبارة؛ فذلك لأن التحديث كان دوماعملية شاقة؛ استوجبت في صانعيها التحلي بالحكمة وفي نفس الوقت بالقوة والبأس. والسبب أن الإصلاح شكل دوما مصدر قلق بالغ؛خاصة بالنسبة لأولئك الذين آثروا التقوقع على الذات؛ بعد أن فقدوا كل مقدرة على المضي قدما نحو المستقبل. ولكن الله سبحانه وتعالىحضنا على العمل والابتكار؛ فقد جاء في سورة التوبة:) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (– صدق الله العظيم.
هذا كان نهج سموه الذي انتصر بعمله على ذهنيات التيئيس، لذلك فما من شك بأن المملكة التي هي قائدة الأمة العربية والإسلامية، ستجد بفضل إصلاحات سموه ورؤيته الثاقبة لسنة 2030 ، طريقها نحو غد زاهر.. ذلك أن اقتحام منظومة الجديد والقبولبه، صارت مسألة وجود وبقاء لا ترف فكري؛ وهو ما لن يتحقق إلا بالإصلاح.؛ ونشدد على » إصلاح «وليس » تجديد «؛ لأن التجديدلا يعني أكثر من استحضار للشيء بعد نسيانه؛ أما » الإصلاح «فهو استئناف للشيء نفسه في صورة مغايرة بعد استنفاذه لأدواره فيصورته البالية؛ ولا يعني هذا الاستئناف سوى الإحياء والإبراز والصقل. لذلك صرح سموه في أكثر من مناسبة، مشددا في القول:) المملكة تتقدم بخطى واثقة وثابتة في برنامج ضخم يهدف إلى التطور والتغيير وطموحنا لا حدود له.(
ليس غريبا إذن أن ينظر العالم برمته إلى السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، باعتباره قائدا للتغيير في المنطقة؛ والحاكم العربيالذي تمكن من مصالحة الماضي العريق للأمة العربية مع حاضرها المتجدد. لقد وصف مايك بومبيو أحد أهم وزراء خارجية الولاياتالمتحدة السابقين، سمو الأمير في مذكراته الشهيرة، قائلا: (إن الأمير محمد بن سلمان هو رجل إصلاحي، وسيثبت بأنه أحد أهم قادة عصره،وشخصية تاريخية بحق على المسرح العالمي(. والأكيد، أن في هذه الشهادة البليغة لواحد من أهم الخبراء في السياسات الدولية، ما يدعمحقيقة العبقرية الملهمة لسمو الأمير محمد بن سلمان؛ كيف لا وهو الذي ألهم مجتمعاتنا المحافظة فكرة إخضاع النص للفكر، والواقع لبداهةالعقل بشكل عملي؛ ومن دون ذلك لما قيض لثقافتنا التكيف مع الجديد: حرية الإبداع- لا نهائية المعرفة والإقرار بالتغاير والاختلاف. أكد على ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله: (أكن احتراما كبيرا لسمو الأمير محمد بن سلمان. إنه صاحب رؤية عظيمة. لقد قام بأشياء لم يكن ليفكر فيها أحد غيره. المدينة الهائلة التي يبنيها. إنه يفعل شيئا عظيما. هو بحق رجل رائع ويحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم (.