مثلث برمودا: فياجرا السلطة و بخور الديوان و نقابة الخيانة ثلاثية الشعوذة في مدينة الأشباح !
بقلم : عبد القادر العفسي
كاتب من المغرب
سَئل أبو العباس، الملقب ب”السفاح العباسي”أحد أمراء الدولة الأموية، كيف ضاعت دولة بني أمية؟ فأجاب ببرود قاطع كحد السيف: “أولينا كبارنا صغار الأمور، وأولينا كبار الأمور صغارنا”، حكمةٌ تاريخيةٌ تتردد أصداؤها في أروقة السلطة عبر العصور، لتجد تجسيداً كاريكاتوريا مريرا في شخصية رئيس “مجلس بلدي” و هو يتعاطى قنينات الجعة ليتحول عندها كطفل تعرض لاغتصاب و يديه بين فخديه… هذا الكائن الهلامي الذي يتمدد نفوذه كبقعة زيت قذرة على ثوب المدينة البالي، لا يُسائل هو عن ضياع دولة، بل عن ضياع مدينة بأكملها، عن تحويلها إلى إقطاعية شخصية يديرها بمنطق “صغار الأمور” التي تستحوذ على عقله وقلبه، أو ما تبقى منهما،فكبيرُ أمور المدينة، مصالحها ومستقبلها، أوكلها لـ”صغارنا”، لتلك الحفنة من المنتفعين والمرتزقة الذين يشكلون حاشيته المقربة، بينما انشغل هو، كبيرُ القوم ظاهرياً ! بصغائر الأمور، بل بأصغرها وأكثرها حميمية وإحراجاً! يقال، والعهدة على الراوي أن: الرجل يعاني من مشكلةٍ عضوية دقيقة، صراع يومي مع رجولته المتخاذلة، مع ذلك الجزء من جسده الذي يخذله في اللحظات الحاسمة، فيترجم هذا الخذلان الداخلي إلى عنفٍ سلطويٍ خارجي، إلى تعويض نفسيٍ بائس عن طريق الهيمنة والتحكم في مصائر الآخرين! كأنما يحاول، عبثاً، أن يثبت لنفسه وللعالم “فُحولةً” سياسيةً تعوض عن عجزه البيولوجي ، فتراه يتجبر ويتعنت في أتفه القرارات، يصرخ في وجه الموظفين الصغار، يستعرض عضلاته الإدارية أمام المواطنين المغلوبين على أمرهم، كديك صغيرٍ منتفش الريش يحاول إخفاء ضعفه الجسدي بصياحه العالي، مشكلته تلك، التي قد تبدو للوهلة الأولى شأناً شخصياً بحتاً، تتحول في سياق السلطة الفاسدة إلى محرك أساسيٍ لآلة القمع والنهب !
فالعجز الشخصي يولد حقداً طبقيا مقنعا، ورغبةً دفينة في إذلال كل ما هو قوي ومنتصب ومكتمل، سواء كان مشروعاً تنموياً حقيقياً يهدد مصالحه، أو موظفاً نزيهاً يرفض الانصياع، أو حتى مجرد فكرةٍ نبيلةٍ تتحدى تفاهته، السلطة هنا ليست مجرد منصب، بل هي “فياجرا” نفسية، جرعة يومية من الغطرسة يحقن بها ذاته المترهلة ليُشعرها ببعض الحياة الزائفة، بينما المدينة تئن تحت وطأة ” صغائر أموره” التي أصبحت كبائر الكوارث !.
ولكن الرئيس، رغم عنجهيته الظاهرية وعجزه الباطني، ليس وحيداً في مستنقع الفساد هذا، فلكل فرعون هامان، ولكل ديكتاتور صغير مستشاروه الأقزام الذين يزينون له سوء عمله ويشدون من أزر ضعفه، وفي حالتنا هذه يبرز لنا مكان “الخبز الحافي !” ، يبرز ! ظلٌّ أكثر قتامة وإثارة للقلق، هو مدير ديوان العامل، ذلك الكائن الغامض الذي ينسج خيوط المؤامرة في الخفاء، والذي يشكل حلقة الوصل الذهبية – أو بالأحرى الصدئة – بين الرئيس “المفحّم” وبين السلطة الأعلى الممثلة في شخص العامل !هذا المدير ليس مجرد موظف إداري، بل هو كاهن الفساد الأكبر، العقل المدبر لشبكة المصالح المتشابكة، والنقطة التي تتجمع عندها كل خيوط الرشوة والمحسوبية وصفقات تحت الطاولة، ولكن ما يميز هذا ” الهامان “العصري ليس فقط براعته في التلاعب بالقوانين وتوجيه القرارات لخدمة أسياده وخدمة جيبه المنتفخ، بل ممارسته المزعومة للسحر والشعوذة ! نعم، في القرن الحادي والعشرين، وفي مدينة تدعي الحداثة والتقدم، يلجأ مهندس الفساد الأعلى إلى طقوسٍ بالية، إلى بخورٍ وطلاسم وتمائم بل حتى أبواب المنزل و النافدة و الجدران …ليس فقط لتعزيز نفوذه الشخصي وإرهاب خصومه، بل كأداةٍ أساسيةٍ لإدارة “شؤون الدولة و استمرارية البقاء “على مستوى العمالة .
حيث يُشاع ! أنه يستعين بـ”خدام الجن” لمعرفة أخبار خصومه، وللتأثير على قرارات العامل، ولربط لسان كل من تسول له نفسه فضح ممارساتهم، يصبح مكتبه أشبه بوكرٍ للمشعوذين، تتصاعد منه روائح البخور الغريبة، وتُسمع فيه همهمات غير مفهومة، وتُعقد فيه صفقاتٌ مشبوهة تحت رعاية “القوى الخفية”، السحر هنا ليس مجرد خرافة شعبية، بل هو جزء لا يتجزأ من “تكنولوجيا السلطة”، أداةٌ رمزيةٌ بالغة الفعالية لترسيخ الهيمنة في عقولٍ اعتادت الخضوع والاستسلام للغيبيات، إنه يضفي على الفساد هالةً من الغموض والخوف، ويحصّن مرتكبيه ضد أي مساءلة عقلانية أو قانونية، فكيف تحاسب شخصاً يُشاع أنه “مسنود” بقوى خارقة؟ كيف تواجه شبكة فسادٍ تستمد قوتها ليس فقط من المال والنفوذ، بل أيضاً من “بركات” المشعوذين؟ يصبح اللجوء إلى السحر هو التعبير الأكثر فجاجة عن إفلاس المنظومة الأخلاقية والسياسية، تؤشر عن عجزها في بناء شرعيتها على أسسٍ منطقية أو ديمقراطية، فتلجأ إلى الخرافة كغطاء لنهبها المنظم، ورئيس المجلس البلدي ، بعجزه وقلقه الوجودي، يجد في هذاّ المدير المشعوذ ضالته، فهو يقدم له ليس فقط الدعم اللوجستي للفساد، بل أيضاً الدعم ” الروحي ” ، الوهم بالقوة والحماية من المجهول، الطمأنينة الزائفة بأن ” الأمور مسيطر عليها ” بفعل طلاسم المدير وبخوره !.
وهكذا، تتحالف السلطة السياسية الفاسدة مع الخرافة لإنتاج واقعٍ سرياليٍّ كابوسي، حيث تُدار مصائر الناس ليس بالقانون والعقل، بل بالتمائم والرقى وهمسات الجن المزعومة، وفي خضم هذا التحالف الشيطاني بين السلطة السياسية المترهلة والخرافة المتجذرة، تكتمل أضلاع مثلث الفساد المقدس بظهور شخصية لا تقل غرابة وسريالية عن سابقاتها: النقابي الشيوعي المترنح بشعارات الجمهورية ، نعم، شيوعيٌّ في خدمة إقطاعيٍّ فاسد ومشعوذٍ ديواني! مفارقةٌ صارخةٌ تكاد تلامس حدود الكوميديا السوداء، لولا أنها واقعٌ مريرٌ تعيشه المدينة كل يوم! هذا النقابي، الذي من المفترض أن يكون صوت العمال والمهمشين، المدافع عن حقوقهم ضد تغول رأس المال والسلطة، يتحول بقدرة قادر إلى مجرد “مسكن ألم” للمجتمع، بوق دعايةٍ رخيصٍ للنظام الفاسد، ومُنفذ أمينٍ للمهام القذرة التي يترفع عنها الرئيس وحاشيته “المحترمة”، يتشدق بالشعارات الثورية القديمة، يستحضر “لينين” و”ماركس” في خطاباته الرنانة أمام العمال المخدوعين، بينما يده اليمنى تمتد في الخفاء لتصافح يد الرئيس، وتتلقى الفتات المتساقط من موائد الصفقات المشبوهة، إنه يتقن فن اللعب على الحبلين: يظهر بمظهر المعارض الشرس في العلن، لينفّس عن الاحتقان الاجتماعي ويحتوي الغضب الشعبي، بينما في الكواليس، يعمل كجاسوسٍ مخلصٍ للرئيس و من يدفع و لدوائر عدة ! ينقل أخبار الكل ونواياهم، ويُجهض أي محاولةٍ جادةٍ لتنظيم وقفة أو احتجاج …
دوره لا يقتصر على التخدير والتضليل، بل يتعداه إلى تنفيذ المهام الأكثر قذارة : ترهيب المعارضين الحقيقيين، فبركة الملفات، نشر الإشاعات المغرضة، تنظيم المسيرات “العفوية” المؤيدة عند الحاجة، وحتى، كما يُهمس في الصالونات المغلقة، التورط في أعمال عنفٍ رمزي ضد كل من يجرؤ على تحدي المنظومة ، انحرافه السياسي ليس مجرد تحولٍ تكتيكيٍّ أو براغماتيةٍ زائفة، بل هو خيانةٌ عميقةٌ للمبادئ التي يدعي الدفاع عنها، سقوطٌ مدوٍّ في وحل الانتهازية والمصلحة الشخصية، لقد أدرك بذكاءٍ شيطانيٍّ أن “النضال” في ظل نظام فاسد يمكن أن يكون مربحاً أكثر من النضال ضده ، فبدلاً من تغيير الواقع، اختار التكيف معه والاستفادة منه، يبيع الوهم للعمال، ويبيع ولاءه للخارج كما كان هو و الرئيس ، ويقبض الثمن من كل الأطراف !.
إنه يجسد بشكلٍ مأساويٍ ما أسماه البعض “البنية التحتية الأيديولوجية” للفساد، ذلك الغطاء “التقدمي” أو “النضالي” الذي يضفي شرعية زائفة على نظامٍ قائم على النهب والاستغلال، هو التجسيد الحي لـ”وعي الشقاء” الذي يمنع المقهورين من رؤية واقعهم الحقيقي، ويحول نضالهم المشروع إلى مجرد طقوس شكليةٍ لا تهدد أسس النظام القائم، وجوده ضروريٌّ لاستمرار اللعبة، فهو يضمن بقاء الصراع في حدودٍ شكليةٍ، ويمنع الانفجار الحقيقي الذي قد يطيح بالجميع: الرئيس، والمدير المشعوذ، والنقابي نفسه، هذه ليست مجرد حكاياتٍ فرديةٍ عن شخوصٍ منحرفة اجتمعت صدفةً في بقعةٍ منكوبةٍ من الجغرافيا والتاريخ، إنها تجليات صارخةٌ لبنية عميقةٍ من الهيمنة، لـ”حقلٍ” اجتماعيٍ وسياسيٍ موبوء تتصارع فيه قوى مختلفة، ليس بالضرورة عبر المواجهة المباشرة، بل عبر إنتاج وترسيخ أشكالٍ من “العنف الرمزي” الذي يجعل الخضوع يبدو طبيعياً، بل وحتى مرغوباً فيه أحياناً .
فالرئيس، بسلطته المستمدة من منصبه الهش وعجزه الشخصي المتضخم، لا يمارس فقط القمع المادي المباشر، بل يفرض “ذوقه” الرديء، منطقه الأعوج، ورؤيته القاصرة كـ”حقيقةٍ” موضوعية لا تقبل الجدال، يصبح جسده المأزوم، ورغباته المكبوتة، هي المقياس الذي تُقاس به أمور المدينة ومصائر سكانها، إنه يجسد تلك السلطة التي لا تكتفي بالتحكم في الأفعال، بل تسعى للتحكم في الأفكار والمشاعر، في “الهابيتوس”، في تلك الاستعدادات والتصورات الداخلية التي تجعلنا نتقبل ما لا يُحتمل، أما مدير الديوان المشعوذ، فهو يمثل الوجه الآخر، الأكثر قتامة وربما الأكثر فعالية، لهذه السلطة، إنه يتقن لعبة “المعرفة قوة”، ولكن معرفته ليست علمية أو عقلانية، بل هي معرفةٌ غامضةٌ، باطنيةٌ، مستمدةٌ من عالم الخرافة والوهم، هذه “المعرفة” تمنحه سلطةً هائلة، ليس فقط على مرؤوسيه ومنافسيه الذين يخشون “بأسه” الخارق، بل حتى على رئيسه الذي يرى فيه ملاذاً من قلقه الوجودي، السحر هنا ليس مجرد طقسٍ فولكلوري، بل هو “تقنية حكم” متكاملة، آليةٌ لإنتاج الطاعة وترويض النفوس، شكل من أشكال “السلطة الرعوية” التي تدعي رعاية الأفراد بينما هي تستعبدهم باسم قوى غيبية ،إنه يحول الفساد من مجرد ممارسة إجرامية إلى نظام له منطقه الداخلي، له “روحانيته” الخاصة التي تبرره وتحصنه .
ثم، يأتي دور النقابي “الشيوعي” ليكمل دائرة الهيمنة، إنه يمثل الذراع الأيديولوجية للنظام، الجهاز الذي يحول الصراع الطبقي الحقيقي إلى مجرد تمثيليةٍ هزلية، هو”المثقف العضوي! ” للفساد، الذي يستخدم لغة الثورة لتبرير الاستغلال، ويستعمل أدوات النضال لخدمة أعداء النضال، إنه يدير “اقتصاد الألم”، يستثمر في يأس الناسومعاناتهم ليحولها إلى رأسمالٍ سياسيٍ يضعه في خدمة أسياده، دوره لا يقل أهمية عن دور المشعوذ؛ فإذا كان الثاني يروض النفوس بالخوف من المجهول، فإن الأول يروضها بالوهم والأمل الكاذب، بتلك الجرعات المخدرة من الشعارات الجوفاء التي تمنع الوعي الحقيقي من التشكل.
الثلاثة معاً – الرئيس العاجز، المدير المشعوذ، والنقابي الخائن – يشكلون بنيةً متكاملةً للسيطرة، حيث تتضافر السلطة السياسية الرسمية، مع سلطة الخرافة، مع سلطة الأيديولوجيا المخادعة، لخلق واقعٍ مشوه، لإنتاج “مواطن” مذعنٍ، مستسلمٍ، فاقدٍ للقدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، بين الجلاد والضحية، إنها ليست مجرد مجال فاسد، بل هي “آلة” معقدة لإنتاج وإعادة إنتاج التخلف والتبعية، آلةٌ تطحن ليس فقط موارد المدينة، بل أرواح سكانها أيضاً، وتحولهم إلى مجرد أشباحٍ تائهة في مدينة يحكمها السفاحون الصغار وأسيادهم الكبار.
من مظهار الفساد عند الحكومة العراقية تسلك طريق التعويض البائس عن العجز المالي وتراكم الديون الداخلية والخارجية فتلجأ الى فرض ضرائب جديدة بمبالغ رسومية عالية جدا تستل من خلالها مبلغ يضعه المواطن في جيبه لكي يصرفه على نفسه او على اسرته من خلال توفير لقمة معاش له ولهم او حاجة للبيت تخدمهم في مجال معين مخصصصا صناعيا له 0
باختصار يقوم المسؤولون العراقيون بسرقة الأموال العامة وعندما يرون ان الخزينة شرافت على الإفلاس فلا سيولة نقدية فيها يلجأون الى تحميل كاهل دخل المواطن الفردي او الأسري بضرائب جديدة باهضة