عبد النبي بزاز
كاتب من المغرب
تنضاف مسرحية ” أوطيل عمتي .. ” إلى أعمال الكاتب المسرحي والسيناريست شوقي الحمداني والموزعة بين مسرحيات وسينايوهات لإغنائها بما تضفيه عليها من زخم فني ورمزي ودلالي على مستوى الشخوص والموضوعات والعناصر في تعالق وتقاطع يفرز تجارب حبلى بألوان المعاناة والتحمل لم تثن أصحابها من شق طريقهم ، بعزيمة وإصرار ، نحو أهداف خاتلت أحلامهم ، وعششت في أذهانهم ومخيلاتهم .مسرحية تتألف من 16 مشهدا ، وثلاث شخصيات أساسية ( خالد ، شامة وعمر ) أداروا دفة الحوار ، وشكلوا مشهديات العمل المسرحي من خلال ما أضفوه عليه من ضروب خطاب تأرجح بين الجد والدعابة ، والتطلع والانكفاء … وبشكل عابر وعرضي زوجة عمر إنصاف ، وابنه مراد ، وابنته نائلة الذين لم ينخرطوا في صلب المسرحية ، ولم يسهموا في تشكيل مشاهدها ولوحاتها .ورغم قصر العمل المسرحي ، واقتصاره على ثلاثة أشخاص فقط فإنه تميز بتعدد الموضوعات ، ووفرة العناصر مما أسهم في غناه الجمالي والدلالي والرمزي.ولعل أبرز موضوعات المسرحية هو موضوع الاعتقال بسبب مواقف رأي كحالة عمر كما جاء على لسان خالد : ” كايخلص الضريبة ، بحال هادوك اللي كانوا عندهوم أفكار ومواقف … ” ص 3، بحيث قضى 15 سنة في السجن كما تؤكد شامة : ” بصح خمسطاش العام دالحبس ما شي سهلة ” ص 8، والظروف المزرية واللا إنسانية التي صاحبت اعتقاله : ” عمر مسكين اتعتقل ف دارو ، داوه فحوايج النعاس كان حفيان الزغبي !” ص 8، وما خلفه هذا الاعتقال الجائر من تبعات على حياته النفسية والأسرية بعد أن انقطعت صلته بزوجته كما يقول عمر : ” عمرك زعما ما تلاقيتي مع إنصاف كاع هاد السنين ؟ ” ص 8، وأيضا مع أبنائه ( مراد ونائلة ) : ” وحتى الدراري يكونوا دابا شباب تبارك الله ” ص8 ، ورغم ذلك لم يفقد الأمل في لقاء أفراد أسرته : ” فعلا كانت سنوات طويلة د الوحدة والعزل ، بلا أسرة بلا حباب ولا أصحاب ولكن دابا مللي خرجت ، لابد ما القاهوم عا وتاني ” ص 8، وفعلا هو ما تأتى له ، بعد طول معاناة وانتظار ، حين تواصل معه ابنه مراد : ” غادي نتلاقى مع أعز ما عندي فهاد الدنيا ، غادي نشوف ولدي مراد ، ولدي مراد .. ” ص 81 ، ووضعية خالد ، شريك شامة وعمر في الأوطيل ، والذي يستعمل كرسيا متحركا : ” في الأثناء يتحرك خالد من وراء الكونتوار … ويخرج بكرسيه المتحرك ” ص 5، حيث أصيب بشلل في رجليه عقب حادثة سير كما يذكرذلك عمر : ” أنت الحالة ديالك ماشي خِلقية ، كانت نتيجة ديال حادثة سير يمكن ليها اتعالج مع الوقت ” ص11 ، ولم يثنه ذلك عن ولعه بفن ” الراب ” الذي ظل يردد مقاطع منه في الكثير من الأوقات . ثم هناك موضوع الطلاق كحالة تعيشها شامة التي انفصلت عن زوجها وترسخت لديه قناعة ثابتة بموضوع معاودة الزواج خارج منظومة المساواة الفعلية بين الشريكين : ” أنا حتى لهاد الساعة ما غادياش نتزوج ، حتى يطبق قانون ما يسمى بالمساواة فعليا ” ص10 ، إلا أنها ما فتئت تعدل عن فكرتها طارحة فكرة الزواج على عمر : ” والصراحة آعمر .. ما تبغيش ترتبط بيا ؟ ” ص 56 ، وإن كانت زوجته إنصاف ما زالت على ذمته ، غير رافضة ، أي شامة ، للتعدد : ” ما كاينش دابا الراجل اللي عندو زوج عيالات أو لا حتى ربعة ؟!” ص 57، تَحَوُّل مفاجئ لامرأة تترأس جمعية نسائية ! وأيضا موضوع الطلاق في حالة عمر المختلفة الذي توقفت علاقته مع زوجته إنصاف وهو في السجن وراء القضبان ، وما عرفته هذه الحالة من خيوط بحث ظل متمسكا بها في العثور على زوجته وابنه مراد ، وابنته نائلة ، وهو ما تمكن تحقيق شوط كبير منه في ما حدث من تواصل بينه وبين ولده . وموضوع وباء كورونا ، وما أحاط به من أساليب احتراز تجلى في ارتداء الكمامات : ” تضع الكمامة على أنفها ثم تتجه نحو باب الخروج … ” ص13 ، والتذكير بذلك في لحظة وحين : ” خود الكمامة ديرها الله يحفظك من هاد الوباء ” ص 18، وتأثيره على السير العام والعادي للحياة مع تراجع ملموس ومؤثر في الحركة الاقتصادية والمعيشية كما هو حال ” الأوطيل ” الذي تدور فيه أحداث المسرحية : ” أما لكليان ما ابقاوش يبانو من النهار اللي بدا الحجرديال هاد الوباء الله يحفظ ” ص6 ، مما ضاعف من الأزمة التي حلت به ، وفاقم من تداعياتها وتبعاتها : ” وحتى الخدامات د النظافة ، سرحناهم وما ابقاوش يجيوا مللي ابدا هاد الوباء الله يحفظ ” ص 16، وهو ما انعكس كذلك على العديد من المرافق التي أغلقت وتوقفت عن العمل : ” كولشي مسدود ، القهاوي والمطاعم والمسارح والسينمات ، كولشي مسدود ” ص 17، وما واكب ذلك من مراقبة : ” أو ربما تكون لجنة التحقيق هادي تدور على الوطيلات تشوف واش كاينفذوا القرارات تماما ” ص32 ، مما أسهم في تضييق الخناق على أرباب ” الوطيلات ” البسيطة بالخصوص الذين تضاعف منسوب معاناتهم من خلال دوريات لجان المراقبة ، وتراجع عدد الوافدين عليهم بشكل مهول .ثم يعرج الكاتب على موضوع الانتخابات الذي تطور من موقف عدم ملاءة موعدها وانتشار وباء كورونا كما يقول عمر مخاطبا شامة : ” الانتخابات آشامة فهاد الوضعية ديالت الوباء اللي كايطحن الصغار ولكبار ؟ ” ص 67، ورغم ذلك فلم ترفض لا شامة ، ولا عمر ، ولا خالد التسجيل في لوائح التصويت ، بل إن عمرا أعلن نيته في الترشح : ” صراحة … ؟ غادي نترشح حتى أنا ” ص 69 ، بل استعداده لصياغة مشاريع واقعية وقابلة للتحقيق حسب قوله : ” ما زال غادي نصوغ المشاريع ديالي اللي غانقترحها بواحد الطريقة واقعية وقابلة للتحقيق ” ص 70، رادا على تشكيك شامة في ذلك بأنه لا يرغب في البقاء بدون عمل بعد الفترة التي قضاها في السجن ، وما يمكن أن يعيشه من متاعب ومعاناة : ” وعلاش لا ؟ أشنو غا نبقى ندير وأنا عاد خرجت من الحبس ؟ نكلس بلا شغل … غادي نزيد نمرض أكثر ” ص71 ، خطوة عمر في الترشح للانتخابات لاقت استحسانا وتشجيعا من لدن خالد : ” أنا غادي نعاونك بعد آصاحبي … ” ص 70، بينما عرفت تحفظا من قبل شامة : ” والله يهديك آلسِّي عمر ، عنداك اديرها بصح ” ص70، محذرة من جسامة المغامرة وعواقبها غير المحسوبة : ” خصك آعمر تفكر مزيان فهاد القضية ، وإلا راك غادي اتْمَرَّتْ بزاف فآخر أيامك ” ص 72 ، إلا أنها عدلت عن رأيها أمام إصراره على خوض هذه التجربة ، مبدية استعدادها لدعمه ومساندته : ” المهم أنا معاك كيما كانت النتيجة ، وإلى بغيتي حتى نشارك معاك فالحملة … ” ص 73. وعمد الكاتب إلى استعمال عناصر من قبل الحلم لإغناء نسيج مدونته المسرحية مثل ما ذكر خالد : ” ما عنديش الحق أنا نحلم شوية ؟ ” ص 2،وأيضا إلى استخدام وسائل التواصل الحديثة عبر معجمها الخاص مثل لابليكاسيون ، والأنترنيت : ” حصلت على لابليكاسيون باش عاد تنشر هاد التدوينة … انشرها فالأنترنيت وصافي ” ص 61، ولاكونيكسيون : ” لاكونيكسيون ما كايناش .. ” ص 62، والمنصات : ” غادي نشرو من بعد في شي ثلاثة د المنصات… ” ص62. فمسرحية ” أوطيل عمتي .. ” التي اختار مؤلفها صياغتها باللغة الدارجة لاعتبارات فنية وسياقية انبنت على قواسم مشتركة وحدت بين شخصياتها الأساسية ( خالد ، وشامة وعمر ) لما يجمعها من علاقة قرابة ، وعمل تمثل في تدبير شؤون ” الأوطيل ” ، وأخرى مختلفة تمثلت في تجارب حياة كل منهم ، فعمر عاش تجربة اعتقال عصفت باستقراره الأسري الذي سعى جاهدا لرأب صدعه ، ورتق تصدعاته ، وخالد الذي عانى من شلل في رجليه ألزمه التنقل فوق كرسي متحرك ولم يمنعه ذلك من استلال لحظات يصدع فيه بمقاطع من الراب الذي يسكنه عشقه ، ويسيطر على ذهنه ووجدانه ، وشامة التي تترأس جمعية نسائية وهي المرأة المطلقة التي ما فتئت تنفلت من ربقة تصورها للزواج والقبول بفكرة التعدد . لتبقى جوانب أخرى تزخر بها المسرحية لا تسعفنا طبيعة هذه الورقة وحدودها على مقاربتها.
المغربــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أوطيل عمتي .. ( مسرحية ) لشوقي الحمداني