خيمة
رمضان زيدان

خيمةٌ على تخوم
القطاع
بلا مؤنٍ هُناك
ولا متاع
أصبحتْ
مشفى
ومدرسة
ومأوى
دون جدوى
طوابيرُ جوعى
في أدنى البقاع
حامية الحماية
عادت بلا ذراع
لتصير وجهتها
إلى وادي الشرى
بسرعة الرياح
من بعد طوفان اجتياح
فالمعنى دون معنى
إلى أي درك ينحدر
لهوةِ الحفر
أم حَظِّه عثر
ذليلٌ من نهَش
جسده النحيل
ناب الجوع
ليكون الوقوع
والهلاك الـمُحتَّم
هو المثوى
والثاني هو الأخر
لم يعد يقوى
على الظمأ
تشقق حَلْقُه
من شدة العطش
لم يجد شربة ماءٍ
ولا ركن احتماء
يأوي إليه
من قسوة الاقصاء
التي جعلته
منبطحاً ومُنكسرا
وهوت به مفتقرا
ومن ثم دفعته
إلى قوى خرافية
ترفع عن كاهله
في عالم الافتراض
بين الأضداد
صخرة سيزيف
الماكر العسيف
التي أخذته لقاع المنحدر
منذ أن تحطَّم الشراع
وأُحيط بالجذع اقتلاع
وثالث عصف به
هلعٌ وبركان رُعبه
من دون عاصمٍ له
ليقطع نياط قلبه
صراخ طفلته
فلذة كبده
وهي تتضوّر جوعاً
من يحمل
قلباً موجوعاً
مرتعداً آسِفا مخلوعا
لأنه لم يتمكن
من تقديم
فتات خبزٍ لها
ظهيرة يومها
فالبطون الخاوية
أسمعت من أسمعتْ
مُكاءً بكّاءً
وناي أحزانٍ وتصدية
وقد هوى
من توِّهِ للهاوية
الأب الراعي
حينما رمق التوسّل
بعين صغيرته البريئة
الغريقة في الدموع
فالزمن زمن جوع
والحالةُ مضنية
والمشاهد للعيون
للقلوب مؤذية
والانتكاسةُ قصوى
وقلة حيلته
الممزوجة بالأسى
عند بكرة الصباح
أو عشية الـمَسا
فتأكد له من وقتها
أنه هوى بسرعةٍ
لمنحدر سحيق
لـ موصودٍ يضيق
في نهايته نفقٌ للخداع
محفورٌ كي يطول
من خلاله الصراع
سقط من سقط
من شدة الإعياء
ورغِم أنفه
وتمرغ الجبين بالتراب
يوم أن ربط
بحجرٍ على خاصرته
جرّاء وجع يسومه
سوء العذاب
هولٌ بيوم المسغبة
لا مرحمة
لا مَأْدُبة
كلٌ تردّى للوراء
حينما أساء
تقدير وقْعٍ للأمور
والأرض قاحلةٌ وبور
ها هو الجسد الهزيل
من لظى
الهجير يُكتوى
بالفعل قد هوى
بماهيته بإنسانيته
من ذهب ..
لقضاء حاجته
في العراء
دون ساترٍ
ليواري سوأته
فسقط سقوطاً معنوي
فاقداً للوعي
مُضيّعاً لهيبته
مُجْهزاً على ما تبقى
من مكانته
أمام بنيه
أمام عشيرته
سائلاً عن ..
وجهة الجميع
عن قِبلةٍ لوجهته
وهو منهكٌ
لم يعد يقوى
ذاهباً لحتفه
عند حافة الضياع
بين فاهٍ للوحوش
وأنياب الضباع
فصار الأخر ..
هو الأخر أنكى
خضوعاً وذلا
صمتاً على أثرٍ مُمِلّا
هروباً من الحرق تولى
فالكل في آنٍ
بضبط النفس
والصبر تحلّى !!
حينما تجلّى
بين مسكينٍ
يصارع الموت
في زمن الرمادة
وأخر مستكينٌ
خانعٌ فوق
ديباج الوسادة
فـ رأيتُ ..
من أردى خنوعا
ورمقتُ ..
من ذهب نزوعا
عن قيمٍ باتت
كالغول والعنقاء
والخِل الوفي
لم يبقى وجود لها
عند مقدامٍ أبيّ
بعد النكبة
كان للخيمة حد
كان لها عامود
وأركانُ صد
تجابه الرياح
السافيات
المغيرات
على كثبان الرمال
على حُلم أجيال
عجّلتْ بها الآجال
برغم كل ما حدث
على الأرض فالبعض
ظلَّ يقاوم . يوقظ
من قنطوا
ليستحيلوا أداة
من اعتمدوا
التخاذل والسبات
منهجاً ممنهجا
لا قيمة عندهم
لمن هجا
كلما استحوذت
على الكل الأنانية
وسالت الدماء
بوحشية
واستبد الهوان
بالمكرم الانسان
فالخيمة ..
حتى الخيمة
صارت مطمعاً
لكل غاصبٍ
يناصب العداء
في بني الوطن
إذن ..
علينا أن نرى
ولو هنيهة هُنا
الذين زرعوا
الزيتون الأخضر
والذين صنعوا
كعكاً
مقدسياً
ممزوجاً بحبات
الزعتر
وكتاب التاريخ
الأشهر
بخرائطه الأصلية
القديمة
بصخور حائط البراق
الكريمة
شاهدة على الوجود
الأول لمن ؟!
على الحرث الأول
لمَن ؟!
على الصانع كان وما زال
مَن ؟!
والتاجر من أين ابتاع
إلى أين ؟!
فمهما ظلت الصرخات
بأوجاعها تئن
لأن التوسعيٍ
الجائر يحتد
لم يلقى أحداً
يردعه فمضى وامتد
وعينيه على ضفاف
نهرٍ ونهر
على ألف
مُهرٍ أصيلٍ ومُهر
على أمواج تعانق
صخور شُطآن البحر
تلك التي
تحطّمتْ عليها
أُمنية كل مناصبٍ
آتي إليها
طامعٌ بها
منبوذٌ لديها
فالأحقاد تغلغلتْ ..
منذ فجر
وجودهم دهراً
بعد دهر
عصراً من بعد عصر
بينما صارت لذة
الطارئ الغريب
إذلال ضحيته
قبل الاجهاز عليها
فعمد ممارسة القهر
حتى الخيمة
استكثرها
المحتل الغاشم
على أهلها
نعتوا قاطنها
بنعوت الارهاب الآثم
وبين ركام الأيام
على ناصية
الأحلام الثكلى
سمعت الرطمة
وقوة ركْلَه
ولمحت الراوي
ذو البطن الخاوي
من اللقمة
ملتصقاً بجدارٍ
مخبزه خاوي
من حفنة حنطة
من تلك اللحظة
أخفوا المكيال
وقد عمدوا كسر الميزان
وسواعد تحصد في غلال
فلا داعي لوضع الأغلال
ولا داعي لوجود
صوامع وصواع
لبريق سرابٍ خدّاع
وهناك معادلةٌ
مُعضلةٌ أخرى
حلّتْ فجأة ..
لاقت لجة .. تتماوج
في ضمير البحر المسجور
خرجتْ لتطارد مذعور
على شاطئ
جدب وجفاف
وفيافي قحطٍ وسنين عجاف
حتى صار انتظار
رغيف الخبز
مقاومةً ..
وتبدّى من جلّ الأطراف
مساومةٌ ..
وبالغرف المغلقةِ معلّقةٌ
على كل جدار
من شجبٍ يستبق
استنكار
بحناجر صدحتْ
تكرار
عن جعبة تاريخٍ
سطّره الأبرار
دوّن فحواه الأحرار
وفود من بعد وفود
في خدر القواعد
والرقود مناوِبةٌ
بينما أضحتْ
وطأة قدمين مداومة
لتُعيد الحق
المنزوع
برسوخ أصولٍ
وجذوع
من ومضة أملٍ
مشروع
أرادوا بحصار
الخيمة
أن تبقى القبر
لساكنها
وتظل السجن
لقاطنها
قد غشي المشهد
تراجيديا
صمتٌ وسكون
وقعود
وخنوع الجمع
المشهود
بين الأركان وجنبات
الخيمة المنزوية
قد عمدوا خنقاً لحياةٍ
جراء حنقاً لأُباةٍ
عمدوا بعموم مرابعها
بدوافعها
تجفيف عيون
منابعها
وسحق مصادر
قوتها
من هول مآسيها
وفي كل أماكنها
قد صارت منفى
أو مشفى
والمأوى
الأمثل في التيه
وعقاب شتاتٍ
يقضيه
اللاجئ بالطرف الأقصى
من الدنيا
وسكوتٌ للعالم أقصى
يا ويح ..
عالمنا الأشقى
قد عمد
واعتمد ..
تشرنق لضميرٍ
معتقداً في العزلة
في الصمت نجاة
وبالرغد حياد يلقاه
فليبقى لديه معتقدٌ
أن الدعة أدعى
لمن جلس
وأنِسَ مُعْتدَّا
وتربّع أعواماً سُددا
بخضوعٍ سيُعدُّ الأدهى
فالدور عليه
لكي يُقصى
خيمة ..
ترمقها .. غيمة
والدمع الهتان
تساقط
من حزنٍ كان
أم السُقيا
فالغيمة أَحْنى
من بشرٍ
قطراتٌ ناجعةٌ أشفى
…..
zidaneramadan@gmail.com