محمد النصراوي
يعيش العراق منذ عام 2003 حالةً من التعقيد السياسي في تعامله مع القوى الإقليمية والدولية، حيث يجد نفسه واقفاً بين المطرقة والسندان، محاولاً الحفاظ على سيادته ومصالحه وسط صراع النفوذ بين قوىً كبرى، على رأسها الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى تأثيراتٍ دوليةٍ أخرى كروسيا والصين، وتوازناتٍ إقليمية تشمل تركيا ودول الخليج.
السياسة الخارجية العراقية تسير على حبلٍ مشدود، إذ يحاول صانع القرار في بغداد أن يمسك العصا من الوسط، متجنباً الانحياز الصريح لأيٍ من المحاور المتصارعة، لا سيما بين طهران وواشنطن، فبينما يرتبط العراق بعلاقاتٍ دينيةٍ وتاريخيةٍ وسياسيةٍ عميقةٍ مع إيران، يعتمد في الوقت ذاته على الدعم الأميركي في مجالاتٍ عدة، أبرزها الأمن والاقتصاد ومكافحة الإرهاب.
لكن هذا التوازن الهش لا يخلو من تحديات، إذ تتعرض الحكومة العراقية لضغوطٍ كبيرة من أطرافٍ داخليةٍ وخارجية تدفعها باتجاهاتٍ متضادة، فالفصائل المسلحة المقربة من إيران تمارس نفوذاً سياسياً وأمنياً يتقاطع مع المصالح الأميركية، في حين لا تخفي واشنطن امتعاضها من تعاظم النفوذ الإيراني داخل العراق، ما يضع بغداد في موقعٍ صعب يتطلب حنكةً عالية في إدارة الملفات الخارجية.
كما أن تركيا، من جانبها، تدخل على خط الصراع الإقليمي من خلال تدخلها العسكري المستمر في شمال العراق، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، وهو ما يشكل خرقاً لسيادة العراق ويضعه أمام معادلةٍ معقدةٍ أخرى، في ظل ضعف الرد الدولي وانقسام الموقف الداخلي.
وعلى مستوى العلاقة مع دول الخليج، تحاول بغداد تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية، لا سيما مع السعودية والإمارات، من أجل تقليل الاعتماد على طهران وتنويع الشراكات الإقليمية، غير أن هذا المسار يواجه بانتقاداتٍ من بعض الأطراف العراقية التي ترى في هذا التقارب “تحولاً في الهوية” أو “تنازلاً سياسياً”.
إزاء كل ذلك، تبدو حاجة العراق ماسة إلى رؤيةٍ وطنيةٍ واضحة في السياسة الخارجية، قائمةً على مبدأ “العراق أولاً”، بحيث يتم بناء شراكاتٍ متوازنة تحفظ مصالح البلاد وتجنبها الوقوع في فخ الصراعات الإقليمية والدولية، وذلك عبر تفعيل الدبلوماسية الفاعلة، واستثمار موقع العراق الجغرافي كبوابةٍ للربط بين آسيا وأوروبا، بدلاً من أن يكون ساحة لصراع الآخرين.
العراق اليوم ليس مجرد لاعبٍ صغير في ساحة النزاعات، بل يمكنه أن يكون محور توازنٍ واستقرار إن أحسن توظيف موقعه وثرواته وقراره السياسي، فدوره لا ينبغي أن يُختزل بردود الأفعال، بل في رسم المبادرات وصناعة التوازنات، وعبر سياسةٍ خارجيةٍ متزنة، يمكن للعراق أن يتحول من ساحة صراعٍ إلى نقطة التقاء، تحفظ مصالحه وتعزز مكانته الإقليمية.