أ.د. أحمد محمد القزعل
الشكر هو لغة القلوب الراقية، وجواب الإحسان الجميل، وهو ثناء طيب يُهدى لمن يصنع الخير، وأسمى من يستحق هذا الشكر والعرفان هو الله عزّ وجلّ، فهو واهب النِّعَم ومصدر كل خير، وقد دعانا سبحانه إلى أن نكون من الشاكرين لا الجاحدين، فنقرّ بنعمه ونعترف بفضله، فقال تعالى: [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ] ” سورة البقرة: 152″.
لقد أغدق الله تعالى على عباده من فيض نعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، ومن أعظمها وأجلّها: نعمة الهداية إلى الإسلام، فهي النور الذي يهدي القلوب ويقود الأرواح إلى الطمأنينة، ومن النعم الدنيوية التي امتنّ بها الخالق سبحانه على الإنسان: أنه صوّره في أحسن هيئة وهيّأ له الأرض قراراً ومعاشاً، ومنحه الجسد السليم والسمع والبصر والعقل، ومن أعظم أنواع الفضل الإلهي أن يولد الإنسان لا يعلم شيئاً، ثمّ يتكرم الله عليه بالعلم ويهديه إلى المعرفة، ويُفعّل فيه الحواس والعقل ليتعلم ويُدرك ما ينفعه في دنياه وآخرته، قال تعالى: [وَاللَّهُ أَخرَجَكُم مِن بُطونِ أُمَّهاتِكُم لا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ] “سورة النحل:78 ” .
إن المسلم في حياته لا يخرج عن حالتين: إما أن يكون غارقاً في نعم الله، فيشكر ويعترف بالفضل، أو مبتلًى فيصبر ويرجو الأجر، ولهذا كان شكر الله تعالى من أعظم ما يعزّز علاقة العبد بربه، خاصة حين يدرك أن الله وعد الشاكرين بالزيادة، فقال تعالى:[وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم ] “سورة إبراهيم: 7 ” .
ولابدّ في الشّكر من الاعتراف بفضل الله تعالى ونِعَمه على الإنسان، وقال ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: [اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ] “سورة سبأ: 13″ قال عكرمة: أي وقلنا لهم اعملوا شكراً على ما أنعم به عليكم في الدّنيا والدِّين، وقال أبو عبد الرحمن الحبلي: الصّلاة شكر والصّيام شكر وكل خير تعمله لله شكر، وأفضل الشّكر الحمد…، وعن ثابت البناني قال: كان داود عليه السّلام، قد جزّأ على أهله وولده ونسائه الصّلاة، فكانت لا تأتيهم ساعة من الليل والنهار إلّا وإنسان من آل داود قائم يصلّي، فغمرتهم هذه الآية: [اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ] ” تفسير ابن كثير: ٤٢٩/٣ ” .
والشّكر لله على درجتين كما قال ابن رجب الحنبليّ: ( إحداهما واجب وهو أن يأتي بالواجبات، ويتجنب المحرمات، فهذا لا بدّ منه ويكفي في شكر هذه النّعم، ومن هنا قال بعض السّلف:” الشّكر هو ترك المعاصي، وقال بعضهم: ” الشّكر أن لا يُستعان بشيء من النّعم على معصيته “، والدرجة الثانية من الشّكر : الشّكر المستحب وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض، واجتناب المحارم بنوافل الطّاعات، وهذه درجة السّابقين المقرّبين ) ” جامع العلوم والحكم، الصفحة: 245 ، 246″ .
ولا شكّ أن الشكر من تمام الإيمان وجمال الإسلام، فهو نصفه وعنوان صدق العبد مع ربّه، فالشكر ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو موقف قلبي وعملي، يتجلى في الاعتراف بالمنعم سبحانه ونِسْبة الفضل إليه والاعتراف بعظيم عطاياه، وهو سرّ من أسرار حفظ النعمة، بل سبب في زيادتها ونمائها.
ولا يكتمل الشكر إلا حين يجتمع فيه القلب واللسان والجوارح؛ فيوقن القلب بأن الله هو واهب النعمة، ويعترف اللسان بذلك مدحاً وثناءً، وتعمل الجوارح بطاعة المنعم أداءً وشكراً، ومن أعظم ما يجلب رضا الله تعالى أن يكون العبد شاكراً في سلوكه قبل كلماته، وعمله قبل دعائه.