هدنة حذرة مع الولايات المتحدة : نجاح للوساطة العمانية أم مناورة؟

7 مايو 2025
هدنة حذرة مع الولايات المتحدة : نجاح للوساطة العمانية أم مناورة؟

عبدالواسع الفاتكي

كاتب من اليمن

أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تلقت طلبًا من جماعة الحوثيين لوقف الهجمات على خطوط الملاحة الدولية ، مقابل امتناع الولايات المتحدة عن تنفيذ ضربات عسكرية ضدهم ، هذا الإعلان جاء مفاجئًا لكثير من المراقبين ، خاصة أنه تزامن مع مرحلة تصعيد خطيرة من جانب كل من الإدارة الأمريكية وإسرائيل ، حيث شنت الأخيرة إثر إطلاق الحوثيين صاروخ سقط في محيط مطار بن جوريون عدة غارات عنيفة على ميناء الحديدة ، مطار صنعاء ، محطات توليد الطاقة ، بالإضافة إلى مصانع الإسمنت في باجل وعمران .

هذا التحول المفاجئ في الموقف لا شك أنه نتاج جهود كبيرة بُذلت خلف الكواليس ، قادتها سلطنة عمان ، التي تلعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين جماعة الحوثيين وعدد من الأطراف الإقليمية والدولية ، وتُوجت تلك الجهود بلقاءات مباشرة بين السعودية والمليشيات الحوثية ، ما أدى إلى ما يمكن وصفه بهدنة غير معلنة مستمرة منذ عام 2022 م ، كما أن سلطنة عمان تواصل دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران ؛  لمناقشة عدة ملفات ، منها الملف النووي الإيراني والجماعات المدعومة من طهران في المنطقة ، وعلى رأسها المليشيات الحوثية .

من المرجح أن يكن هذا التطور الجديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والمليشيات الحوثية ، هو ثمرة من ثمار التفاهمات الأمريكية-الإيرانية بوساطة عمانية ، حيث إن إيران قد تكن طلبت من المليشيات الحوثية التراجع خطوة إلى الوراء ، والالتزام بعدم استهداف خطوط الملاحة الدولية ، مقابل توقف الولايات المتحدة عن ضرباتها العسكرية ، في محاولة لتعزيز موقف طهران التفاوضي مع واشنطن .

وترى إيران أن جماعات مثل حزب الله في لبنان ، وبعض الفصائل العراقية ، وجماعة الحوثيين ، تشكل أوراق ضغط استراتيجية ، تستخدمها في حال تعرضها لأي ضغوط سياسيةأواقتصادية أو عسكرية ،  وتُعد تهديدات المليشيات الحوثية للملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، من أبرز أدوات الردع غير المباشر التي تستخدمها طهران .

رغم الضربات الأمريكية والإسرائيلية على المليشيات الحوثية ، إلا أن تأثيرها العسكري على المليشيات الحوثية لم يرتقِ لمستوى التصريحات الصادرة عن واشنطن ، والتي تزعم إلحاق خسائر فادحة بالمليشيات الحوثية ، في المقابل استهداف المنشآت الاقتصادية والمدنية الحيوية ، يمنح المليشيات الحوثية مكاسب دعائية وشعبية ،  حيث يُستغل لإثارة التعاطف الشعبي والتعبئة الداخلية ، وتعزيز صورة المليشيات الحوثية كقوة إقليمية فاعلة ، وكطرف له تأثير مباشر على المصالح الأمريكية والإسرائيلية ، كما أن إطلاق الصواريخ الحوثية تجاه إسرائيل ، وردة الفعل الإسرائيلية العنيفة ؛ يمنح المليشيات الحوثية مصداقية في دعمهم للقضية الفلسطينية ، تضعها في مصاف القوى المقاومة لإسرائيل من وجهة نظر مؤيديهم .

يرى مراقبون أن وقف الهجمات بين المليشيات الحوثية والولايات المتحدة جاء أيضًا في توقيت محسوب ، قبيل زيارة الرئيس دونالد ترامب المرتقبة إلى المنطقة ، والتي تشمل السعودية والإمارات وقطر ، ويبدو أن سلطنة عمان سعت إلى تهدئة الأوضاع مؤقتًا ؛ حتى لا يتم طرح الملف الحوثي كأولوية في جولة ترامب ؛ ما قد يدفع للتفاهم حول تدخل بري مدعوم أمريكيًا ضد المليشيات الحوثية .

من المرجح أن تستمر هذه الهدنة طالما لم تطرأ تغييرات كبيرة في المشهد الإقليمي ، خاصة إذا استمرت المباحثات الأمريكية-الإيرانية على نفس الوتيرة ، كما أن التزام المليشيات الحوثية بوقف الهجمات على إسرائيل وخطوط الملاحة الدولية سيمنحها فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة التموضع ، لكن في حال تعثرت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران ، أو شعرت طهران بأنها تخسر على طاولة التفاوض ، فقد تعود لتفعيل ورقة المليشيات الحوثية كورقة ضغط جديدة ، ما سيعيد التصعيد إلى الواجهة .

وفي النهاية تبقى الهدنة مرهونة بالتحولات الجيوسياسية ، وبنجاح أو فشل التفاهمات الكبرى بين واشنطن وطهران ، في حين تواصل المليشيات الحوثية استثمار كل استهداف لهم سياسيًا وإعلاميًا كدليل على تأثيرهم الإقليمي والدولي المتصاعد  .

عبدالواسع الفاتكي

كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com