موسم العودة إلى التهريج و”التّْعَاريجْ”

8 مايو 2025
موسم العودة إلى التهريج و”التّْعَاريجْ”


د.محمد بودويك

شاعر وناقد وكاتب من المغرب

المسألة ليست زَلَّةَ لسان موقوتة في الزمان والمكان، ومحدودة في الموقف والسياق والأوان، لأن الزلة تحدث للعلماء وللكبار، والقادة، والنخب والمثقفين. لكنها الرُّعونةُ والفَلَتانُ، لا العفوية إذ لا عفوية مع القصدية، لا تلقائية مع الفلتان. فالفَلَتان مُبيّتٌ ومُخَطّط ومُهَنْدَسٌ يروم إحداث الصدمة سريعا. والصياح والاهتياج يضاعفان من تأثير المهرج على قاعدة مُنَوَّمة ومُمَغْنَطة، على المريدين والأتباع الذين يرون في قائد ” القطيع “، الحكمة والتبصر، واستباق الأمور بحكم المِراس و”النضال”، و”الفهلوة “. 

يعرف المهرج كيف يستدرج، لأن ماء الحياء حتى لا أقول الحياة، جَفَّ في وجهه، والتحكم في الأعصاب والجوارح، انفلت وتمرد على صاحبه، والرّوَيَّة والتُّؤَدَة التي من المفروض أن تتوافر في رجل يحتل مركز الأمانة في حزبه، ليس لها مكان في قلبه وجسمه. اهتزاز في الكلام، وتدوير لسوءة اللسان، وإطلاق السوءة إياها على عواهنها عارية سافرة من دون فرملة ولا كبح ولا قراءة للعواقب، ولا تقدير للظرف والسياق والمرحلة، والحرائق المشتعلة هنا وهناك. فليس من شِيَم القادة الفعليين، الأمناء التقاة، المسؤولين المدركين عبء المسؤولية الملقاة على عواتقهم، المسؤولين أمام ضمائرهم، وضمائر شعوبهم الذين يمثلونهم ديموقراطيا وعلميا وتزكية عن جدارة لا عن شطارة، ليس من شيمهم ولا في جِبِلَّتِهم، ومن طبيعة عملهم، الاندفاع والرعونة، والسِّباب، وتوصيف الشرفاء في البلد ب “الحمير”، و”الميكروبات”، و”الحيوانات”. ولا بتَعْييرِهِم بالغباء، ومعاندة فئات اجتماعية معتبرة، والمُماراة في  حقها الثابت في العيش الكريم،  وسعيها نضاليا إلى تحسين مستواها المعيشي، ووضعها الاجتماعي والمادي في واقع معيش غلى وعلا واعتلى، وأصبح لا يطاق. ليس من شيم الكبار، السقوط في حمأة الصَّغَارِ، لا الصِّغارِ، فالمعنى واضح وجلي. 

هل تعلم يا أستاذ بنكيران، أن الذي ينعت الناس بــــ ” الحيوانات”، هو من يجتاحه شعور ب ” حيوانيته”، من دون أن يدرك ذلك، إذ انها حالة غنوصية قصية ثاوية في بعض الأنفس البشرية. ذلك الشعور الذي تكلم عنه جورجْ باطايْ، بتفصيل في كتابه: (نظرية الدين)؟    

 هل يعتبر الأمين العام نفسه فوق القانون، وفوق الحساب والعقاب؟ من يكون حتى يوزع الأوصاف والنعوت يمينا وشمالا، وشذرـ مذر من دون أن يرف له جفن، ويرتجف له فؤاد، ويزدجره خُلُق  ومروءة؟ 

  ماذا قدم للوطن وهو الذي تقلد رئاسة الحكومة، وجثم على عنق البلاد طيلة عقد كامل؟   

هل أصلح ـ مع مريديه وأتباعه ـ التعليم وأخرجه من أزمته؟، هل أنصف نساء ورجال التعليم بتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية؟، هل رفع الظلم والقهر عن الفقراء واليتامى والأرامل والمحتاجين؟، هل وظف الشباب المعطل، وفتح في وجوههم أبواب الأمل والعمل والكرامة؟  

هل أنصف النساء، وناضل من موقعه، في خصوص مساواتهن بالرجال: في المدونة، والمنصب والاستحقاق، أم أنه عاند المجرى والمسرى، وعارض حقوقهن بطرق ملتوية ماكرة؟، كما وضع الحواجز”القانونية”، والفذلكات السوقية أمام الأساتذة المتدربين خريجي المراكز التربوية الجهوية، بحرمانهم من حقهم بولوج منصب الأستاذية كاملا مكتملا عند تخرجهم مباشرة بإلصاق تسمية “التعاقد” بمهنتهم؟                                                                                                           

وكيف ـ وقد عاد إلى دونكشوتيته ـ سمح لنفسه أن ينعت رئيس دولة بـ ” المذلول”، هل من حقه ذلك، وهل منصبه الحزبي يخول له أن يضع نفسه مكان الدولة؟ لماذا لم يصف زعماء عربا ومسلمين بذلك؟، من الأقرب إلى غزة، لغة ودينا وتاريخا وثقافة وحضارة: “ماكرون”، أم العرب العاربة والعرب المستعربة؟ 

وكيف يزايد علينا ب” غزة “، ويدخل في لجاج وحجاج فارغين مع فئات عريضة من شعبنا تعتبر فلسطين كاملة لا غزة وحدها في صميم قلوبها، وقضيتها قضية قومية مقدسة تُسامِتُ قضيتنا الوطنية حذواً بحذوٍ، وسِواء بسِواء: صحراؤنا مغربية حتى آخر ذرة من رمالها وأرواحنا، وفلسطين فلسطيننا حتى آخر قطرة من دمها ودمنا؟   

ولا يمكنه ـ بحال ـ ولو حاول، أن يلغي وجدانا شعبيا تشكل تاريخيا، وارتبط بالحب والدم والفداء والدعم المادي والمعنوي والاجتماعي والسياسي، بالشعب الفلسطيني: بغزة وبالضفة الغربية، وفي القلب منهما: القدس؟، لا يمكنه إلغاء ذلك بكلام مرتجل بلا قيمة، أو بالأحرى، لا يمكنه المصادرة عليه، وإلحاقه بصفه وبيته؟                                                                                                            

نقدر انفعالك يا أستاذ، ولكننا لا نقدر شتائمك وبهتانك. وما أغرب القِرانَ الذي ما فتئتم تستعملونه ويستعمله بعض الأشقياء الأغرار: قران غزة بتازة، وتازة بغزة؟، وأيم الله، إنه لقرانٌ غريب أوحى به الجهل والشوفينية المقيتة، والدينية الموظفة.

أخيرا:  أطلب منك ـ السيد الأمين العام ـ هامسا في أذنيك ما لم يكن بهما وَقْرٌ: كُفَّ عن الهراء والشطح والردح. بَسْمِلْ وتوكل على الله وعلى الشعب الذي أوصلك ـ ذات يوم ـ إلى الوزارة، عفواً، إلى رئاستها وسَنَامِها. فالأمانة العامة التي عادت إليك، أو عدت إليها لا تمنحك الحق في وَسْم ذاك بتلك الصفة الحقيرة، وَوَصْم الآخر بصفة مغايرة أكثر حقارة. صفات قدح وسبٍّ مجّانية لا ترفعك بل تَضَعُك.  

إننا اليوم أمام الضرورة المعاكسة: ضرورة أن نتعلم ثانيةً كيف نحس بالزمن يسيل من حولنا لنستعيد وعينا بالتاريخ.. وعْيَنا بالبصر والتبصر والبصيرة والحكمة المطلوبة.                                      

هي ذي رسالتنا جميعا، ورسالة الأمناء والقادة، وذوي الحل والعقد أوَّلاً واخيراً.

مقال خاص لصحيفة قريش من لندن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com