د.الطيب النقر
إن مقال “رؤى تجديد المحتوى إيلاف أنموذجاً” للكاتب المجيد بكر عويضة، هو في الحق مقال أكثر من رائع، لكاتب مخضرم يحرص على نصاعة المفردة وكمالها، و تضج مقالاته بالصدق والأمانة والوفاء، ويتدفق من يراعه ينبوع الانسانية التي يبتغيها لمجتمعه بجميع صفاتها وخصائصها.
من خلال هذا المقال الوافِي، اتضح لنا أن استشراف المستقبل، أساً ثابتاً بني عليه الأستاذ “عثمان العمير”- جميع أفكاره وفلسفته، ذلك الاستشراف الذي لا يمكن أن نغلق دونه حاجزاً من الشك، أو جداراً من الريبة، وباب الشك هذا لا يجسر على قرعه كما نعلم، أو يجرأ على فتحة، إلا من انتدب نفسه لخدمة أمته بهذه العقلية اللوذعية التي استوثقت أن الجسارة والإقدام أجدر بهذه الأمة، وأجدى عليها، لأنها ترقى بسلطتها الرابعة، وتجعلها مونقة الكلمة، موطدة الدعائم، وقد أبلى هذا الرجل في سبيل شكيمته، وصريمته، بلاءً حسناً، فقد بذل في تحقيق نمط صحافي مغاير أخَِذُ في الاستقرار والتوطد، ما ضنّ به الناس جميعاً.
مما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن سمات الاستشراف هذه، بعض الناس يجتويها ويتبرم منها، رغم ترادف الأدلة الحقيقية على نجاعتها، فها هي اليوم “إيلاف” التي حملت على عاتقها أن ترفع لك قيمة”الحدس” وتنوه بذكرها، لعامة الناس وخاصتهم، جاهلهم وعالمهم، تحدثنا عن نفسها، وعن صبرها وتلطفها وهي تسعى لتوصيل مضامين ومعاني الجرأة، والمغامرة، والابتكار، حتى غدت سائغة مواتية، تهضمها ميولك وعواطفك. والمغامرة التي نعنيها هنا، هي المغامرة المضمونة العواقب، المؤتمنة التبعات، لأن عقل صاحبها صاغها في قالب تخطى صور الذهن وأخيلته، واحتفى بجوهر الفكرة التي أسندت رأسها على كتفه، ومضت به متخطية هضبة هواجسه الشماء، لقد درس الأستاذ عثمان العمير بذهنه المتقد “الصحافة الالكترونية” من منابعها الأصلية وتأثر بها، وسعى أن تتخلص أمته من ركام الصحافة الورقية، أو تتنصل منها، ففي ذلك فرصة سانحة لتحسين مركزها ومكانتها بالعالم المتحضر، وقد حدث هذا قبل أن تصل الصحافة التقنية الاسفيرية إلى ذرى التشعب والاتساع، فلولا جهود هذا الرجل، وفلسفته، وتفكيره الثاقب، لكانت الصحافة الرقمية العربية في مؤخرة الصفوف.
ولعل الحقيقةالتي قد تغفل عنها الكثير من المؤسسات الصحفية، أو تتغافل عنها، أن “إيلاف” كانت منارة الفضل التي نهلت الصحافة العربية الالكترونية من محاسنها، ونزعم بعدأن استقصينا مشاهد هذا الاستشراف وآثاره، أن الاستشراف دخل غمار المجتمع، وفتن به الناس افتنانا عظيماً بفضل “ايلاف”، وبفضل صاحبها الذي لا يمت الجمود إلى فكره بصلة أو يصل إليه بسبب.