لماذا عاد الحوثيون لقصف إسرائيل بعد زيارة ترامب ؟

17 مايو 2025
لماذا عاد الحوثيون لقصف إسرائيل بعد زيارة ترامب ؟

عبدالواسع الفاتكي

كاتب من اليمن

تثير عودة الحوثيين لقصف إسرائيل في هذا التوقيت الحرج ، عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية وقطر والإمارات تساؤلات جوهرية حول خلفيات هذا التصعيد ودلالاته ، ما يعكس حساسية التوقيت ودقة الحسابات السياسية ، التي تحكم سلوك الجماعة في علاقتها بالقوى الدولية والإقليمية .

يبدو أن الحوثيين اختاروا تجميد هجماتهم على إسرائيل خلال زيارة ترامب ؛ لتجنب تفسيرها كرسالة تحدٍ مباشر للإدارة الأمريكية في لحظة حساسة إقليميًا ، فالهجوم خلال الزيارة كان سيُفهم كخرق للتفاهم غير المباشر مع واشنطن ، الذي أُبرم برعاية عُمانية في ما أصبح يُعرف إعلاميًا بـ”تفاهم 6 مايو” 2025م   ؛ لذا حرص الحوثيون على عدم تعكير الأجواء خلال الزيارة ، تفاديًا لأي تصعيد قد يُفضي إلى رد عسكري أمريكي مباشر أو قطيعة تفاوضية .

عودة القصف بعد مغادرة ترامب للمنطقة كانت مقصودة ، وفيها رسالة مزدوجة أن اتفاق 6 مايو لم يكن نتيجة خضوع أو استسلام ،  وأن الجماعة لا تزال صاحبة قرار مستقل في قضايا كبرى مثل الصراع مع إسرائيل ، كما أن الحوثيين أرادوا أن يبرهنوا أن الضربات الأمريكية السابقة ، والتي كانت تهدف لإضعاف قدراتهم ، لم تفلح في تحييد قوتهم الصاروخية أو المسيّرة ، وأنهم لا يزالون قادرين على تنفيذ ضربات عابرة للحدود والبحار .

في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة وضغوط معيشية في  مناطق سيطرتهم ، يسعى الحوثيون إلى تحويل الأنظار نحو عدو خارجي ، وتوظيف قضية فلسطين كأداة تعبئة شعبية وتحصين للجبهة الداخلية ، ومن خلال استهدافهم إسرائيل ، يجدد الحوثيون تموضعهم في محور المقاومة الإيراني المزعوم ،  ويبعثون برسالة أنهم فاعل لا يقل أهمية عن حزب الله أو حماس في المواجهة الإقليمية .

لا يمكن استبعاد ان الفكرة الكامنة وراء  معاودة القصف الحوثي على إسرائيل هي تشكيل ورقة ضغط تفاوضية إيرانية ضمنية ، تُستخدم للضغط على الولايات المتحدة ؛ لعدم التشدد في ملف المفاوضات النووية ، مقابل تهدئة الحوثيين فيما يتعلق بتبادل القصف مع إسرائيل أو التهدئة في البحر الأحمر .

الرسالة إلى إسرائيل واضحة ، لا توجد خطوط حمراء لدى الحوثيين في ردّهم على التطورات في غزة أو المنطقة، وهم قادرون على تهديدها من بُعد آلاف الكيلومترات ، بالإضافة إلى ان الحوثيين يسعون للتأكيد بان لديهم مشروعهم الخاص المرتبط بفلسطين ، ما يمنحهم مصداقية رمزية لدى بعض الأوساط العربية والإسلامية  ، يعتقد الحوثيون بأن جل القصف الإسرائيلي والأمريكي لا يمس جوهر قوتهم العسكرية ، بل يطال منشآت مدنية أو بنى تحتية ،  لا تؤثر كثيرًا على قدراتهم العسكرية ، وأن تدمير البنى التحية ، أو أي خسائر في المنشآت المدنية ، لا تعني لهم شيئا مقابل ما يحققونه من  مكاسب سياسية وإعلامية طويلة الأمد ، إضافة إلى أنه في ظل سيطرتهم الأمنية والعسكرية المطلقة على مناطقهم ، لا توجد معارضة داخلية فعالة تُحمّلهم مسؤولية تدمير المرافق الحيوية ؛ ما يجعلهم أكثر جرأة في تصعيدهم .

في المحصلة عودة الحوثيين لقصف إسرائيل في هذا التوقيت الدقيق لا تخلو من رسائل سياسية مركبة ، تستهدف الداخل والخارج في آن  واحد ؛  فالحوثيون يحاولون الحفاظ على موقعهم  في معادلة الصراع الإقليمي ، دون القطيعة التامة مع مسارات التفاهم والتفاوض الإيرانية الأمريكية ، ويتحركون على حبل مشدود ، بين حسابات الربح السياسي الإعلامي وبين المخاطرة الاستراتيجية .

عبدالواسع الفاتكي

كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com