كن إنساناً… واختر كلماتك بعناية

29 مايو 2025
كن إنساناً… واختر كلماتك بعناية

أ.د. أحمد محمد القزعل

يقول ليو تولستوي في رواية البعث: ” يا بني عندما تقف على مآسي الآخرين و انكسارهم..، إياك أن تبتسم، تأدب في حضرة الجرح، كُن انساناً أو مت و أنت تحاول “، فالإنسان كائن حساس بطبيعته، يتأثر بالكلمة الطيبة كما تؤذيه الكلمة الجارحة، واللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة تبني أو تهدم، تشفي أو تجرح، وقد تكون الكلمة بلسماً يخفف الألم، وقد تكون سهماً يغوص في أعماق الروح، خاصة إن كان المخاطَب مجروحاً أو مكسوراً؛ لذلك فإن التأدب في حضرة الجرح يعدّ من أرقى صور الإنسانية وأسمى أشكال الوعي الاجتماعي، فالكلمة الطيبة والابتسامة اللطيفة والتصرفات النبيلة ليست مجرد مجاملات، بل هي أفعال تحمل في طياتها القدرة على التخفيف من الألم النفسي والوجداني.

حين تنكسر النفس، تصبح الروح أكثر هشاشة، ويغدو الإنسان شديد التأثر حتى بأبسط الكلمات، ففي لحظات الضعف والانكسار، قد تكون كلمة لطيفة كضمادة على جرح مفتوح، تخفف الألم وتمنح شيئاً من العزاء، بينما قد تسقط عليه كلمة قاسية كالسيف، تغرس في موضع الألم وتزيده نزفاً.

إن الكلمة الطيبة ليست مجرد لفظ يقال، بل هي مفتاح سري للقلوب، وسحر خفي يصنع فرقاً شاسعاً في حياة الآخرين إنها ترفع المعنويات وتبعث الأمل، وتمنح الإنسان شعوراً عميقاً بقيمته، وكذلك هي الابتسامة الصادقة، تلك اللفتة البسيطة التي لا تكلّف شيئاً، لكنها تلامس الأرواح برسالة خفية من الرحمة والتقدير والاحترام، وحين يمر الإنسان بأزمة نفسية يصبح أكثر عُرضة للتأثر وأكثر حساسية تجاه ما يسمع، فالكلمة التي قد تمر مرور الكرام عند شخص في حالته الطبيعية، قد تكون مدمّرة لمن يحمل في داخله وجعاً دفيناً؛ لذلك من الحكمة أن نزن كلماتنا وأن نُراعي ظروف الآخرين قبل أن نتحدث إليهم، فالكلمة سلاح ذو حدين، قد تبني وقد تهدم، وقد يكون الصمت في بعض الأحيان أبلغ من أي كلام.

كثيرون يظنون أنهم يُحسنون النُصح، لكنهم يغفلون عن أهمية التوقيت وطريقة التوصيل، فما يُقال في لحظة ضعف، قد يتحول إلى خنجر يغرس في أعماق القلب بدلاً من أن يداويه، فأناقة الكلمة لا تعني فقط زخرفتها، بل تعني اختيارها بعناية بما يتناسب مع الموقف وحالة المتلقي، ومن فنون أناقة الكلمة: أن نُعبّر عن مشاعرنا بلباقة ونُراعي مشاعر الغير، ونتجنب الإيذاء أو التقليل من شأن أحد، فالكلمة التي تُقال في غير وقتها قد تُؤذي أكثر مما تنفع. وكما قال الرافعي: ” الجرح الذي تُحدثه الكلمة لا يُرى، لكنه يبقى في القلب طويلاً “، وكما قال مارك توين: ” الكلمة المناسبة في الوقت المناسب قد تصنع الفرق بين النجاح والفشل “، فالتأدب في حضرة الألم هو مقياس حقيقي لرقي الإنسان ووعيه، فالكلمة الطيبة ليست ترفاً، بل هي واجب إنساني، ودواء فعّال للنفوس المنهكة .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com