خالد عمر بن ققه
كاتب من الجزائر
لم يغب العراق عن صنع الفعل في تاريخنا القديم والحديث والمعاصر، ليس فقط لأنه يشكل مرجعيّة نعتمد عليها، وبناء معرفيًّا نستند إليه وعليه، ووطناً لأمة يحتوينا باتساعه عندما تضيق أنفسنا بما حملت من أوزار، وإنما لأن فيه عزتنا وذلنا، انتصاراتنا وهزائمنا، حضورنا وغيابنا في فلك الحضارة، ورحلات التاريخ، وصراع الأمم.
يتنظر العراق اليوم قمة العرب في بغداد، وهو يواجه حملات ضغط رهيبة من الداخل والخارج لإنهاء دوره العربي الريادي، والتشكيك في هويته، واحداث صدام مقصود ـ ظاهر وخفي ـ بين محيطه الجغرافي وانتمائه بحكم الوجود أوّلاً، والحضور ثانياً، والتاريخ ثالثا.
تبعاً لذلك يُدْرك العراق أن قمة بغداد ستكون بعيدة عن كلمات شعارها «حوار.. تضامن.. تنمية» المتعلقة بملفات محورية ستناقشها القمة، تخص الأمن القومي العربي، والتحديات السياسية الإقليمية، إضافة إلى قضايا التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي والتكامل في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية، وأنه لا يكن تحقيقها لا عمليّا، ولا حتّى نظريّا.
ولا يعود ذلك فقط لغياب واعتذار معظم القادة لأسباب مبررة أو غير مبررة ــ ذلك الغياب الذي أصبح شبه قاعدة في جلّ القمم العربية، بما فيها تلك الاستثنائية التي تنعقد على خلفيّة أزمات كبرى واجهها العرب ـ وإنما أيضا لسبب آخر عملي يتعلق أساساً، كما هو ظاهر، بموقع العراق الراهن في الجغرافيا والتاريخ.
في هذه المرحلة من التاريخ العربي ـ المؤلم والمفزع ـ يعيش العراق حالاً من الاغتراب الحقيقي عن بعده العربي، مثلما يضيق هو على أهله رغم ما فيه من تنوع ثقافي ومذهبي وديني وعرقي يؤهّله للصمود قرونا أخرى في رحلة الحياة، لذلك غير مُجدٍ له في الوقت الرّاهن على مستوى صناعة الفعل خروجه مما هو فيه وعودته إلى القمة المقبلة، إلا إذا نظرنا إليه في سياق الترويج الإعلامي لانتماء قومي أصبح اليوم عبئا لا يطيق حمله إلا المَاسِكين على جمر العروبة وما أقلهم في هذا الزمان.
في هذا السياق سيقول المخلفون منا، الذين يدعون زُوراً أن أوطانهم قد شغلتهم، أن العراق لم يعد قادراً على القيام بأيِّ دور قومي في ظل تراجع دوره الوطني وانهيار جبهته الداخلية، لدرجة يتعذَّر أحيانا معرفة الخط الحاصل بين سلطة الدولة وتحكم الأفراد والجماعات، وهو قول ظاهره الحقيقة وباطنه الباطل، لأن الهزات الكبرى التي وجهها العراق منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية، مرورا بغزوه للكويت، ومن ثم حصاره، ووصولا إلى احتلاله من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عام 2003م أقوى من أن تتحملها أي أمة على وجه الأرض في عصرنا هذا.
لاشك أن دور العراق في صناعة الفعل مرهون بانتمائه العربي، ولو كان العرب جميعهم في أزمة، وهو له من المشاركة في احتضان القمم العربية، في المحطات الفاصلة من تاريخنا، كما هو الأمر بالنسبة لقمم 1978م، و1990م، و2012م ما يؤهله للقيام بدور في المشهد العربي، يتجدد فيه ولا يتبدد، باعتباره يمثل احدى الحواضر العربية الفاعلة.
مختصر القول إن العراق في القمة العربية المقبلة في 17 مايو الجاري، هو أول المغيبين رغم انعقادها على أرضه، وتغييبه ـ وليس غيابه ــ هو اختيار مقصود من بعض قادته، وضغط علني من جيرانه، وعدم مبالاة من بعض القادة العرب، ويأتي هذا كله بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات، حيث التوجهات الجديدة للمنطقة، التي لا يعد العراق شريكاً فاعلاً فيها، وإن كان سيتأثر بها حتى لو ظل مُغيّبا كما في القمة العربية المقبلة.