قراءة في حاضر العداء الأميركي الإيراني

27 مايو 2025
قراءة في حاضر العداء الأميركي الإيراني

أ د . طارق السامرائي

منذ إنتخاب دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الاميركية، فقد أتخمتنا إدارته بسيل من القرارات العارمة، والحمم الإعلامية البركانية، التي عُدّت في المطبخ السياسي لكي تكون المادة الإعلامية في المرحلة الاستباقية لحقبة حكم ترامب المذبذبة، وقبل أن تدخل في متغيرات المحيط السياسي الدولي، وكانت أكثرها  هي التجاذبات الاقتصادية، التي شغلت العالم بأسره، إذ كانت مناطيد كبيرة الحجم وصغيرة التأثير (إعلام برأسين سلبي وايجابي).وما يهمنا نحن العرب يختلف عمّا يهم الغرب وبقية سائر المعمورة، ففي مسألة جوهرية وهو الصراع الأميركي الإيراني الاسرائيلي، الذي له نتائج ذي أبعاد على منطقة الشرق الأوسط تحديدًا.وصارت إيران عقدة لرسم المشروعات، ونقطة تحول في مسار العلاقات الغربية والشرقية، وفي ضوء هذه المعطيات، السؤال هو:ماذا تريد الولايات المتحدة وإيران من أحدها الآخر؟ففي الخريطة السياسية تُعدّ إيران دولة عازلة بما يعرف (Buffer state)، لا تمتلك قرارًا إستراتيجيًا خارج نفوذ وسيطرة دول هي صاحبة القرار عليها، والتي تحاول فصل إيران عن خلفية تاريخها عندما كانت دولة عازلة بين إمبراطورية بريطانيا العظمى وإمبراطورية روسيا القيصرية، ثم تحول هذا النفوذ إلى تطور ممنهج لكي يتمركز في دول الاتحاد السوفييتي وامريكا القوة العسكرية الاولي خضعت فيها ايران الي أملاءات الآخرين.وفي إطار التحولات نحو الاقتصاد العالمي من (رأسمالي إلى تكنولوجي) تأثرت فيه إيران تحت تأثيرات عوامل ثلاث:1- السلاح الصاروخي.2-السلاح النووي. 3-تأسيس الذيول والميليشيات في أطراف الساحة المجاورة، خاصةً العربية.واليوم، يدرك النظام الإيراني ضعف قدراته في مواجهة الغرب، وليس بمقدوره الانفصال عن سياسته باستخدام النفعيَّة المتبادلة حوارًا معه، واتخاذه قانونًا شيد عليه علاقاته مع الكيان الصهيوني تحفظًا على مشروعه النووي، الذي قارب مرحلة التخصيب أو تم تخصيبه، والصراع لكيلا تعود للمرحلة الصاروخية، وربما بعدها إلى مرحلة التفكك. إذ تواجه اليوم إيران مأزقين لا ثالث لهما، استجدّا وفقًا للظروف المتداخلة، التي ظهرت على سطح الساحة السياسية وهي:١- الثورة السورية، والعامل الذي لعب دور المفاجأة غير المحسوبة في قواميس نظام إيران، وخرج عن سيطرة استخباراتها الخارجية، وفقدان تبعيتها إلى إيران ككيان دولة متكامل، وليس نظام إرهابي أو ذيلي، فقد فقدت قاعدة أنطلاق للسياسة الإيرانية وتمرير المشروع الطائفي الممنهج، ويلتحق بركب المشروع التركي الغربي الأميركي. ٢- تَعَرضَ ذيولها وتبعية ميليشياتها إلى مواجهة صاعقة أفقدتها التحكم في ميزان التهديد لخصومها التقليدية من العرب، وفي تطلعاتها لكي تصبح دولة نووية تفرض ولا يفرض عليها مشروعًا أميركيًا صهيونيًا يطالب بعودتها إلى زاوية الانصات والترحيب بدلًا من فتل العضلات ومقاومة الخصوم . ففي لبنان قُبِرَ “حزب الله” بلا عودة تحت هدير أطنان القنابل الأمريكية الصنع والاسرائيلية الاداء، واكبتها عمليات التقديم الحربي في اليمن والعراق، وداخل مغارته الهشة، الذي أصبح مسرحًا لجولات الطيران الإسرائيلي ساعة ما يشاء، وبلا غطاء عسكري أو قدرة استخبارية، وهي مرحلة من مراحل سلسلة يتطلب التأني ولا يخضع لأوضاع حركات وطنية أو عدائية الموقف لإيران، وهو من وجهة النظرة الأمريكية استنزاف سياسي وعسكري يولّدان ردود أفعال إيجابية ذات طابع نفعي للغرب وأميركا لإدراج إيران في برنامج (الطاعة والتنفيذ)، وبمساعدة دول خليجية ترى في إعادة العراق لمكانته في نهج السياسة الأمريكية الخليجية، ويرضي الطموح الإسرائيلي وطمأنة حاضره ومستقبله في إزالة عوامل تعطيل دوره كقاعدة إستراتيجية غربية أمريكية في الشرق، وباكستان والهند في الغرب الشرقي، ويخلق الشللية في مفصل السياسة لملابس إيران كخطوة أولية لإثارة الداخل الإيراني، واستبدال نظامه السياسي بنظام يلتحق بركب السياسة الغربية كما كان قبل (خميني)، وثورته العشوائيّة العنصرية، وإقصاء اليسار الإسلامي المتعصب بلا عودة.ونظرة إلى واقع مجمل المسلسل التفاوضي، والحوارات وانسيابية الزمن لإيران، تبرز مسالة التقارب الروسي الصيني كعامل أستراتيجي للمشاركة في طبخة تقويض النظام الإيراني، أو تفتيت عناصر قوته وتفعيل محركات خصومه، وفي ضوء هذا المشهد، هل ستعي السياسة الإيرانية وعقلائها خطورة هذا الدور وإحالتها إلى مرحلة (التقاعد)، أو تركها لكي تلعب وفق قدرتها في الجيوسياسية الناعمة؟ وأن تكف عن التغريد في استدام مفاعلها النووي، الذي بات تحت رحمة الغزو الاسرائيلي الامريكي أينما شاؤوا، أو اللجوء إلى سياسة التراضي، لا سيما أن الأمريكيين ليسوا في حالة ضرب إيران، والمؤشرات لا تدل على حدوث صدام مباشر غير محسوب، مع تضاؤل الإعلام المضاد وبقاء شعلة المعركة الروسية الأوكرانية، بالرغم من المحاولات الجادة لإخمادها، لكنَّ الدب الروسي يعي جدًا ما تحت الطاولة الأمريكية من مساعي نفعية أحادية الجانب. لذلك، ما تزال روسيا ومعينها النابض الصين وكوريا الشمالية في الخندق ذاته.إنَّ إيران بسياسة الاسترضاء الناعم، واعتماد أسلوب المفاوضات المرنة، هو طريق سوي لكي تحافظ على نظامها، الذي قوّت فيه أظافرها، وما زال أمامها مشوار بداخلها، وانتفاضات شعوبها ذات القوميات المتنوعة، وخطر النضال الأحوازي بقيادة “الحركة الثورية الأحوازية” و”مجاهدي خلق”، عنوانًا بارزًا لإجهاض نظام إيران وقبّره.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com