ذاكرة الايام الكردية الصعبة ومحطات بارزاني والبكر والقتال والمفاوضات..في مسيرة الشهيد اليوسفي ” حوار خاص”

22 مايو 2025
ذاكرة الايام الكردية الصعبة ومحطات بارزاني والبكر والقتال والمفاوضات..في مسيرة الشهيد اليوسفي ” حوار خاص”

خاص لصحيفة “قريش” في لندن

حوار

“لم يبق لي في هذه الدنيا سوى ملعقة دم سأفديها لشعبي ولن أطأطئ هامتي للأعداء أبداً.. وجعلت بارزان يرتبك في حديثه وأثناء قيامه للانصراف أصطدم بالطاولة التي أمامه وكاد يسقط على الأرض.. وقد علق صدام شخصياً بعد هذه الزيارة بقوله: أمر هذا الرجل عجيب يتعامل معنا وكأن عشرة آلاف من المسلحين واقفون وراءه يساندونه ويحرسونه.. وأستطرد الشهيد ماضياً في حديثه، أنا حفيد الشهيد (شيخ يوسف) الذي أعدم في قلعة زاخو خلال حكم سلاطين العثمانيين لمشاركته في ثورة بدرخان بك فليعد التاريخ نفسه مع الحفيد….”

الشهيد صالح اليوسفي

 اجرى الحوار د. توفيق رفيق التونچي

د توفيق التونجي

يحتفل الشعب العراقي وشعب كوردستان بصحيفة التآخي اليوم بعد مرور 58 عاما على إصدار العدد الأول كونها صحيفة عبرت عن طموحات وآمال قطاعات واسعة من الشعب وطوال سنوات صدورها رافعة راية الكلمة الطيبة.

تعد جريدة التآخي ثالث الصحف السياسية العلنية التي يصدرها الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق بعد جريدة (خه بات وجريدة (كوردستان (. حيث جاء قرار صدورها أثر إعلان اتفاقية ٢٩ حزيران/ يونيو 1966 تشكلت الهيئة الإدارية للجريدة آنذاك من أصحاب الامتياز من المرحوم صالح اليوسفي رئيساً للتحرير، ومن شوكت عقراوي، نجيب بابان محمد سعيد جاف، عبدالله سعيد ثم أستبدل شوكت عقراوي بالأستاذ حبيب محمد كريم اعتباراً من العدد رقم (۱۹۸) الصادر في ١٥ تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، الى الأستاذ جواد ملكشاهی ابتدا من عام 2018. فضلاً عن مجموعة أخرى من الكتاب ومن كافة القوميات والعقائد وأغلبهم كانوا ينشرون في الجريدة بأسماء مستعارة ومنهم عبد الرزاق البارح والشاعر رشدي العامل وشوكت عقراوي ومحمد الجزائري وأحمد الجزيري ومصطفى نريمان وفلك الدين كاكائي ومحمد البدري وهادي الجاوشلي والدكتور عبد الرحمن نورجان وغيرهم العديد. 

احد ابرز وأول رؤساء تحرير الجريدة كان الشهيد صالح اليوسفي الذي أرسى اللبنة الأولى للصحافة الملتزمة وداعيا للسلام وللتآخي بين جميع مكونات النسيج السكاني القومي والعقائدي للشعب العراقي. ورغم أننا لا يمكننا الإيفاء بكل ما صنعه الأوائل إلا أننا سنتذكر وبفخر أسماء الكثيرين هؤلاء ممن خدموا الصحيفة وقادوها في جميع دوراتها. 

 التقيت السيدة زوزان اليوسفي ابنة الشهيد كي تحدثنا عن ذكرياتها حول والدها الشهيد.

 حدثينا عن ذكرياتك عن صحيفة التآخي خاصة في الفترة التي كان الوالد يقوم برئاسة تحريرها؟ 

كانت صحيفة التآخي بالنسبة لوالدي هي بيته الثاني والحقيقة كان يعتبر أن العمل فيها لا يقل شرفاً عن حمل السلاح والنضال من أجل الحصول على الحقوق المشروعة لشعبه وقضيته القومية، جريدة التآخي كانت يومية سياسية، وحمل العدد الأول كلمة رئيس الجمهورية وجهها إلى الجريدة، حيث هنأ فيها هيئة تحريرها والشعب العراقي وجاء في كلمة الرئيس عبد الرحمن عارف:

 (أبارك لكم صدور جريدة التآخي وأتمنى لها إطراد التقدم والنجاح وتأدية مهمتها على الوجه الأكمل وأن يكون أسمها عنواناً صادقاً لهدفها … والأمل أن تكون هذه الجريدة لسان الحق والتنبيه إلى مقاصد المستعمرين وربط الإخاء العربي الكوردي بعروة لا انفصام لها وأن تكون مصباحاً منيراً ينير دروب الشباب والمواطنين المخلصين ونشر الوعي الوطني فيهم وجمع كلمتهم لصيانة تربة وطنهم في وحدة وطنية بعيدة عن التفكك الحزبي…)

حين تأسست جريدة التآخي في 29 نيسان/ أبريل 1967 وطبعت بمطبعة الشعب ببغداد بثمانية صفحات، وسعر النسخة الواحدة منها كان (۲۰) فلساً أوكلت القيادة الكوردية والدي لتأسيس الجريدة وتولي رئاسة تحريرها، كنت حينها في الصف الثاني ابتدائي، كل ما أتذكره أن والدي كان يصطحبني إلى الجريدة أحياناً، وكان يسعدني ذلك كثيراً بأن أكون برفقته حيث كنت أفتقده طوال فترة طفولتي نظراً لالتحاقه المستمر بالثورة، أصبحت الحياة أجمل بوجود والدي بصحبتنا خلال تلك الفترة رغم مشاغله الكثيرة، ولكن مجرد شعورنا أنه بيننا كنا نشعر بالسعادة والأمان، كان أبًا مثاليًا ومحبًا وحنونًا ورائعًا بكل معنى الكلمة، رغم مسؤولياته الصحفية والحزبية، مع هذا ذلك كانت الابتسامة لا تفارق وجهه، وروح الدعابة أهم صفاته في البيت معنا، والحزم والجرأة والجد أهم صفاته في العمل. 

كان دائمًا يأتي إلى البيت في وقت متأخر بسبب عمله الصحفي كرئيس تحرير لجريدة لعبت دوراً مهماً في تاريخ الصحافة العراقية نظراً لجرأتها وقوتها الإعلامية، كانت نسخها تنفذ خلال ساعات معدودة من المكتبات نقلاً عن شهادات عديدة لقراء التآخي، حينما كنت أرافق والدي في ذلك العمر الصغير، كنت أنبهر بالموقع والعمل فيه، كانت بناية كبيرة، فيها غرفة للمطابع، وغرف للصحفيين، وغرفة خاصة لوالدي، كان يراقبني من خلال نظاراته بين لحظة وأخرى خوفًا من أن أقوم بأعمال شغب داخل الجريدة، كنت أبتسم له كلما لمحني لأثبت له أنني فتاة عاقلة وهادئة لكي يصطحبني دائماً برفقته وكان يكلَّفني ذلك الكثير من التحمل والصبر لأنني بصراحة كنت كثيرة الحركة واللعب في تلك مرحلة من العمر، أتذكر زيارات بعض الشخصيات له بين الحين والآخر خاصة المهندس شوكت عقراوي والمحامي نجيب بابان اللذان كانا في البداية ضمن الهيئة التحررية في الجريدة، كان يسعد والدي بصحبتي معه حيث أدرك بحدسه القوي أنني أحببت عمل الصحافة، في الحقيقة أعجبني عمل الصحافة وعمل والدي فيها كثيرًا وأنا في ذلك العمر الصغير ومن حينها تمنيت أن أصبح مثله في المستقبل، وكان كل حلمي لاحقاً أن أدخل كلية الإعلام ولكن للأسف شاء قدري حين أكملت الثانوية عام 1980 أن يمنع النظام دخول كلية الإعلام من لا يكون بعثياً فضاعت مني تلك الفرصة. في إحدى المرات التي كنت بصحبة والدي قلق كثيرًا حينما أختفيت فجأة، وبعد بحث طويل أكتشفوا أنني كنت فوق سطح المبنى ألعب، ومن حينها أمتنع أبي عن أصطحابي للجريدة، وحسب ما أتذكر لأن سطح المبنى كان بدون سياج عالي، لذا قلق والدي بشأني وبشقاوتي.

ألغت امتيازات جميع الصحف الخاصة في الخامس من كانون الثاني/يناير ١٩٦٩ وفي مقدمتها جريدة التآخي كما وأصدرت في الثاني عشر من حزيران/ يونيو ١٩٦٩ قراراً بحجز الأموال المنقولة والغير المنقولة العائد لرئيس تحريرها صالح اليوسفي وبذألك تنتهي المرحلة الأولى لصدور جريدة التآخي حيث تم إصدار (٤٣٠) عدداً من الجريدة، وكان آخر عدد لها برئاسة تحرير والدي في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٦٨. 

نشرت السيدة زوزان اليوسفي كذلك عدد من الكتب بالعربية والكوردية حول أبيها ونضاله من اجل السلام في ربوع الوطن وفي لقاء معها سالتها عن ذكرياتها عن الفترة ما بين بيان الحادي عشر من آذار إلى عام ١٩٧٤؟

 الحكم البعثي الدموي القومي والسلبي تمكن ومن خلال سياسته العنصرية من تحويل حياة شعب كوردستان وأرضه إلى جحيم خلال سنوات ما بعد ١٩٧٥ حدثينا عن والدك في تلك الفترة؟ كان الشهيد رحمه الله بالإضافة إلى نشاطه السياسي شاعرا ترجم في العديد من قصائده أمال شعبه للحرية والاستقلال ماذا تحفظين من تلك الأشعار؟ 

هناك عدة محطات تاريخية مهمة في حياة والدي في الفترة التي أعقبت نكسة 1975، فعلى سبيل المثال لابد من التوقف قليلاً في محطة نكسة 1975 حتى يتوضح للقارئ الكريم أكثر عن نشاط والدي ما بعد عام 1975. وذلك أولاً.. نظراً لبُعد نظر والدي للأمور السياسية ورؤيته المستقبلية للثورة الكوردية وللعراق عامة كما شهد له العديد من الباحثين والمؤرخين وحتى السياسيين مِن مَن عاصروه، كان والدي على يقين ومنذ بدء القتال بأنه سيحدث أتفاق ما بين الحكومتين العراقية والإيرانية عاجلاً أم آجلا! كان لا يثق بتطلعات شاه إيران ومصالحه وخصوصاً أن والدي كان يستذكر دائماً ما فعله شاه إيران بالقضاء على جمهورية مهاباد الكوردية، كان رأي والدي أنه ما دام الحزب وقيادة الثورة قد أكتسب قاعدة شعبية قوية داخل كوردستان العراق بد اتفاقية 11 آذار، فإنه يجب استثمار ذلك وتقويته ويتعين على القيادة الكوردية جذب الحكومة للاتفاق على المبادئ الرئيسية وتأجيل النظر بالنقاط الخلافية والمستعصية والتوافق لاحقاً مع الحكومة العراقية.

يا للأسف لم ينجح والدي في إقناع الطرفين على الاتفاق بصورة سلمية، فاندلع القتال رغم أن والدي كان يحاول طوال فترة القتال أن يعيد الحوار والمفاوضات مع الحكومة مرة أخرى ،خاصة بعد أن أرسل الرئيس البكر موفدة الأستاذ فؤاد عارف للبحث والحوار في هذا الشأن وكان دائماً يردد مقولته الشهيرة (بأن حل مشكلتنا ليس في أنقرة أو طهران، بل في بغداد) . وبعد أن خذل شاه إيران قيادة الثورة الكوردية وهو ما كان يتوقعه والدي حتى حدثت اتفاقية الجزائر وانهارت القيادة الكوردية ثم تشتت وضاعت سنوات من النضال الطويل وعدنا إلى مرحلة الصفر، كانت تلك الفترة من أصعب الفترات التي مرت على والدي فقرر في تلك الظروف القيام بمبادرة أخيرة وهي فتح الحوار مع الحكومة العراقية لوقف تنفيذ اتفاقية الجزائر، وبعد التشاور مع الزعيم البارزاني، طلب والدي من جهاز (الباراستن) أن يُحضروا إليه أي ضابط أسير لديهم، فأحضروا إليه الملازم أول الطيار (صفاء شلال)، سلمه والدي رسالة من أربع نسخ موجهة إلى كل من القيادة القومية والقيادة القطرية لحزب البعث والى الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، وأطلق سراح الطيار لإيصال الرسائل إلى الجهات أعلاه وجاء الرد سريعاً وهو أن الحكومة العراقية ترحب بحضور والدي والتفاصيل مع نص البرقية و الطريقة التي غادر فيها والدي من مقره حتى وصوله بغداد مذكورة في كتاب (خواطر من ذاكرتي). أما عن نشاط والدي في بغداد ما بعد 1975* فيمكن تقسيمه إلى محطتين رئيسيتين، علماً أن نشاط والدي في هاتين المحطتين كان يسير بشكل متوازي.

المحطة الأولى:

هي علاقاته بالقيادة العراقية ونشاطه في بغداد. بالنسبة للمحطة الأولى،

 أولاً: بدأت عندما قام والدي بكتابة مذكرة طويلة من أكثر من أربعين صفحة رفعها إلى رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر شرح له فيها أسباب وجذور المشكلة الكوردية والمراحل التي مرت بها في مختلف عصور الدولة العراقية والويلات والنكبات التي جلبتها هذه المشكلة على الشعبين العربي والكوردي كما شرح له طريقة حل هذه المشكلة والوصول إلى ما فيه الخير للعراق عموماً.

ثانياً: في 1978 نظم أتحاد الأدباء الكورد مؤتمره الخامس وقام بتوجيه دعوة إلى والدي لحضور هذا المؤتمر لأنه كان من مؤسسي هذا الاتحاد ورئيساً لها بعد اتفاقية آذار، ولكن والدي أرسل رسالة اعتذار عن عدم حضوره لكون ظروف انعقاده كانت في أوقات غير طبيعية وأشار في رسالته إنه لا يزال بعض الأخوة من الأعضاء البارزين وغيرهم قد أُبعدوا من أماكنهم الأصلية إلى المناطق الجنوبية، ولا يزالون هناك ومنذ أكثر ثلاث سنوات خلافاً حتى لمضمون بيان العفو العام، وصرح لهم الأمر من خلال رسالته أنه من المصلحة تأجيل انعقاد المؤتمر ريثما تتوفر الظروف والشروط الطبيعية لانعقاده. 

ثالثاً: قبيل انعقاد مؤتمر القمة العربي الذي جاء بعد توقيع اتفاقيات (كامب ديفيد) قامت السلطات الأمن العراقية باعتقاله  في مديرية الأمن العامة طوال فترة إنعقاد مؤتمر القمة هذا وذلك خشية من السلطات العراقية من أن يقوم والدي بالاتصال ببعض القادة العرب الذين كانت تربطهم صداقة شخصية مع والدي وخوفاً من أن يقوم والدي بشرح أسباب ومشكلة القضية الكوردية لهم، هذا وقد صادف أن يكون الشيخ مهدي الخالصي معتقلاً أيضاً في نفس زنزانة والدي وأود أن أشير بأنه بعد مرور عدة سنوات قام سماحة الشيخ مهدي الخالصي بأرسال رسالة لي أعرب فيها عن إعجابه بأفكار والدي الوطنية وشجاعته وذلك عندما تشارك معه في نفس الزنزانة في مديرية الأمن العامة، وأيضاً قام سماحة الشيخ جواد الخالصي بزيارتي إلى منزلي وأستذكر مآثر وشجاعة والدي وهذا كله أشرت إليه في كتابي مع نسخة من رسالة الشيخ مهدي الخالصي.

رابعاً: عندما أستلم صدام حسين رئاسة الجمهورية بعد أحداث قاعة الخلد قام والدي بأرسال مذكرة جريئة إليه شرح له جميع أسباب اندلاع الثورات الكوردية وطرق حلها لما فيه خير الشعبين العربي والكرودي والعراق عموماً وقد أستهل رسالته إلى صدام حسين بالمقولة المشهورة للخليفة عمر بن الخطاب:

 ( أيُّها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه ـ فقام له رجل وقال:

 والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يُقوّم إعوجاج عمر بسيفه) 

موجهاً والدي هذه المقولة إلى صدام حسين شخصياً. 

خامساً: عندما حلت الذكرى الثانية للحرب العراقية الإيرانية قام برزان التكريتي (الذي كان حينها مدير المخابرات العامة) بزيارة والدي في منزلنا وطلب منه أن يكتب رسالة تأيد للقيادة العراقية بهذه المناسبة، ولكن والدي أجابه بأنه ليس لديه رأي حول هذه الحرب، ولكن لديه رأي يعطيه حول عمليات التهجير القسري للكورد وتدمير القرى من خانقين إلى زاخو وحينها وعندما بادر برزان بالقيام بالانصراف أصطدم بالطاولة التي أمامه وكاد أن يسقط من شدة ارتباكه وغضبه.

 المحطة الثانية:

تبدا مع علاقاته ونشاطه في إحياء الثورة الكوردية. 

أما المحطة الثانية عن نشاط والدي ما بعد 1975 وحتى يوم استشهاده فقد كانت مليئة باللقاءات والاجتماعات مع الشخصيات والقادة الكورد سواءاً من كانوا حزبيين أو مستقلين أو من قادة البشمركة وكانت اجتماعاته هذه مفتوحة يتحدث فيها والدي بكل جرأة وعلانية عن المشكلة الكوردية والممارسات العنصرية التي كانت تمارسها سلطات بغداد أتجاه الكورد من تهجير ونفي وتعذيب واغتيال، وأنا كنت شاهدة على حضور الكثير من هذه الشخصيات وأذكر منهم كل من السادة.. فؤاد عارف، مقدم عزيز عقراوي، دارا توفيق، المهندس شوكت عقراوي، لقمان مصطفى البارزاني، إحسان شيرزاد، كاردو كلالي، علي هزار، الشيخ محمد شاكالي، يد الله كريم فيلي، حبيب كريم، عصمت كتاني، المحامي نجيب بابان، العقيد طه بامرني، علي عسكري، رشيد سندي، عبد الوهاب الأتروشي، والإعلامي مصطفى صالح كريم وآخرين غيرهم.

كان الشهيد رحمه الله بالإضافة إلى نشاطه السياسي شاعرا ترجم في العديد من قصائده امال شعبه للحرية والاستقلال ماذا تحفظين من تلك الأشعار؟

 نعم كان والدي شاعراً حتى قبل أن يكون سياسياً فالشعر ونظم القصائد أنساب في قلب ومشاعر والدي منذ فترة صباه كما أخبرني، وأن ذلك الإحساس المفعم الذي كان والدي يتمتع به في نظم القصائد كانت كلها عن طبيعة وطنه كوردستان وعن الظلم الذي تعرض له شعبه، آخر قصيدة نضمها كانت (هواره – الصرخة) التي نظمها أيام الثورة وقبل اتفاقية الجزائر، كنت أجلس بصحبته عندما كان ينظم أبيات تلك القصيدة ثم يلقيها لي، كنت أشعر بالزهو حينها عندما كان يأخذ رأي فيها فقط ليشعرني بأهمية استماعي للقصيدة، رغم أنني حينها كنت في مرحلة المتوسطة، ومنذ ذلك الحين كنت أطلب منه دائماً أن يلقي لي أبيات من قصائده التي ما زالت عالقة لحد اليوم في ذهني، وفي عام 1980 طلبت منه أن يكتب تلك القصائد المفعمة بالإحساس وحب الوطن وكان من دواعي سعادتي أنه فعلاً وتلبيتاً لطلبي ورغبتي كتب مجموعة منها ولكن للأسف لم يستطيع إكمالها جميعها حيث اغتيل عام 1981، فاحتفظت بما كتبه وفي عام 1991 طبع أول ديوان لوالدي باللغة الكوردية، ثم طبعت الديوان مرة الثانية ضمن تأليف كتابي الأول عن سيرة والدي عام 2009 تحت عنوان (صالح اليوسفي.. صفحات من حياته ونضاله الوطني مع ديوان شعره الكامل)، هذا وسبق أن نشرت العديد من قصائد والدي في المجلات والصحف الكوردية والتي كتبها في فترة الأربعينيات والخمسينيات كمجلة (هيوا – الأمل) و (گەلاوێژ – نجمة الصباح).

 كما سبق ونظم والدي قصائد باللغة العربية ولدي قصيدتين له منها قصيدة وسام العار نظمها عام 1945 عندما قلد النظام الملكي وسام الرافدين لعدد من الأقطاعين الكورد لمشاركتهم في قمع الحركة الكوردية، وقصيدة الحناجر الدامية بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958، كما سبق وأن ألقيت بعض من قصائده في فيديو نشرته على صفحة والدي في الفيسبوك، وأنا بصدد إلقاء جميع قصائده عبر تصميم فيدوات في المستقبل القريب. زرع والدنا الشهيد في قلوبنا بذور المحبة والسلام والأخوة والإنسانية والتواضع فكانت تلك المشاعر ضمن الأهداف الرئيسية في مسيرة حياتنا وتربيتنا فتأثرنا نحن الأخوة بهذا النهج.

كانت نظرة الوالد الواقعية وأفكاره تظهر جليا في رفضه لأي شكل من أشكال التطرف اليساري أو اليميني على حد سواء، وأراد أن يجعل من الواقع الكوردستاني وخصوصيات شعبنا الكوردي أرضية لكل هدف، حيث كان الهدف في فكر والدي ينبع من تلك القناعة المبدئية والأخلاقية بأن الإنسان هو أقدس موروث على سطح الأرض، لهذا فأن هدف حركة والدي هو رفض جميع مظاهر الاستغلال، قومية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية أم دينية أو مذهبية، حيث أكد والدي بأن العدالة الاجتماعية هي الصورة الأمثل لإنهاء الاستغلال وإن العدالة الاجتماعية تترسخ تحت ظل الممارسة الديمقراطية طريقا وكان هذا النهج جوهر الفكر الواقعي لوالدي. بدأ الوالد بكتابة قصيدة ( هه واره) والتي بدأ بها وهو في إحدى زيارته إلينا تحمست لقصيدته وكنت أجلس بجانبه كل مساء وهو يكتب تلك القصيدة ويرتب مقاطعها ويلقيها علي.. وأنا في غاية التحمس حيث كنت جمهوره المشجع الأول… فكان يردد الكلمات ويكتب فأستمع إليه بكل أحاسيسي وإعجابي… وهو يلقيها علي بكل حماس … القصيدة كانت أطول بكثير مما ورد في ديوانه، وكنت قد احتفظت بتلك القصيدة وبخط يديه حينما أكملها أهداني أياها، ولكن للأسف فقد سرقت مني أيام انتفاضة مع العديد من متعلقات والدي الشخصية وأوسمته التي احتفظت بها وذلك حين تركنا بيتنا في دهوك وقررنا اللجوء إلى جبال كوردستان في تركيا

 …… قصيدة (هه وارد هه واره ) قام بترجمتها إلى اللغة العربية الأستاذ أسعد محمد طاهر الزيباري:

النجدة النجدة النجدة يا أخوان النجدة النجدة … النجدة يا إخوان النجدة کردستان یا وطن.. أرواحنا فداء لك نورت وأشرقت الشمس النضال ثم النضال المنجدة … النجدة يا أخوان النجدة أشعلوا الثورة، هيجوا الرجولة بلغوا البشرى، أنثروا الحرية النجدة النجدة يا أخوان النجدة مع الشعوب نحن أصدقاء، أبطال وأعزاء أكلنا الأعداء النجدة النجدة يا إخوان النجدة 

وهذا هو نص قصيدة (مع نهر خابور) ترجمها إلى اللغة العربية الأستاذ أسعد محمد طاهر الزيباري : **

مع نهر الخابور

 فداك أيها الخابور العزيز مسافر أنا لا قريب ولا صديق جريح ساكت أخرس مهاجر، لا وطن ولا سكن ما .. أرقك وأجملك يا خابور..! أخضر، أحمر .. وذو شلالات ملونة ..! ولكن لماذا ساكت أنت..؟! إلى متى تبقى أبكما معي..؟! في شلالك الذهبي… نقش ألف جرح مخبوء ورائه الرحيق اللذيذ.. وجه مجراك نحوي.. يا خابور أرجوك التحدث معي. لا تخفي الآلام والأحزان فلقد بقت دموع العيون معلقة بها و بدولة الكوردية.

مقطع من قصيدة كومارا مه هابادى – جمهورية (مهاباد) ترجمها إلى اللغة العربية الأستاذ أسعد محمد الزيباري جمهوية مهاباد.

 نیران ساقطة كزخات المطر تحول الظالمون كلهم إلى صيادين يوم وقع الكرد في أفخاخهم أغلقوا الجمهورية الوليدة كانت أمنية للعيون أن تراها لم ترى العروس الجديدة عريسها تركتنا في الظلام، غابت الشمس كلما أدور وأنوح… أرى المعلقين الثلاثة في تراصف… الحبل والسهم والمطر والحامض التعدي والظلم ماردون أنهم ثعابين سامة، عقارب وخنافس يمتصون عرفنا ودمائنا وقوتنا الاستعمار والعنصريون اللصوص الفقر والبؤس، الأسر والأنين مزقوا الوطن جعلوه أقساماً باعوا الشعب للعملاء السراق للأجانب الحقراء ذوي الأفواه الملطخة بالدم الاستعمار والشاه الظالم نهبا الراية والعاصمة زادوا الوحشية والقسوة الطائرات والدبابات المدفعية وأحزمة العتاد القرى والمدن البساتين والغابات دمرت كلها وجعلوها مسطحة مع الأرض أحرقوا الأمل والرجاء والحظ أصبحنا خدما لا حصة لنا ولا مهر أحرقوا الأمل والموعد والزمن.

سيبقى رسالة الشهيد اليوسفى راية في سماء كوردستان وعلما للكلمة الطيبة ونداء للأخوة والتآخي والسلام بين الشعوب.

السويد

2025

إشارات؛

 المناصب والمسؤوليات التي أنيطت للشهيد اليوسفي؛ بتاريخ ۲۹ آذار / مارس ۱۹۷۰، تسلم وزارة الدولة، ووزير الدولة وكالة في العديد من الوزارات العراقية. نائب رئيس جمعية الصداقة والتعاون العراقية السوفيتية. مسؤول الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد. رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الكورد لفترة ما بين ۱۹۷۱ – ۱۹۷۲ و۱۹۷۳ – ١٩٧٤.  رئيس جمعية الثقافة الكوردية. عضو مجلس السلم والتضامن العراقي والعالمي. عضو لجنة السلام المسؤولة عن تطبيق بنود اتفاقية آذار. عضو غير متفرغ في مجلس التخطيط التربوي. مسؤول مشرف على أتحاد طلبة كوردستان مسؤول مشرف على أتحاد الشبيبة الديمقراطي الكوردستاني(لأوان). مسؤول مشرف على اتحاد نقابات العمال والجمعيات الفلاحية والتعاونية الكوردستانية. رئيس تحرير مجلة شمس كوردستان باللغتين العربية والكوردية. رئيس تحرير مجلة أستير – النجمة للأطفال باللغة الكوردية.

رؤساء تحربر صحيفة التآخي: ‎  

الدورة الأولى:

(1967-1969) صاحب الامتياز ورئيس التحرير: الشهيد صالح اليوسفي

‎الدورة الثانية:

 (1970-11 اذار 1974) ‎صاحب الامتياز: حبيب محمد كريم، رئيس التحرير: علي عبدالله (1970)، الشهيد دارا توفيق (1970-1974)

 الدورة الثالثة:

 (من 10/5/2003) (10/5/2005) المرحوم فلك الدين كاكائي 10/5/2005، الدكتور بدرخان السندي 28/4/2015

الأستاذ احمد ناصر الفيلي. 

   واعتبارا من تاريخ 23/1/2018 ، الأستاذ جواد ملكشاهی.

*نقلا عن الأستاذ المرحوم عادل مراد – في فجر يوم ١٩٧٤/٤/٢٤ داهمت مفارز الأمن العام بوحشية بيوت عدد عوائل المسؤولين الكورد في بغداد فتم تجميع الأطفال والنساء والشيوخ في مديرية الأمن العام بطريقة مرعبة وأرسلتهم بسيارات إلى شقلاوة ومن هناك إلى (قلعه دزه في محافظة السليمانية وكانوا عوائل السادة صالح اليوسفي ودارا توفيق ونوري شاويس وعبد الرزاق عزيز ومحمد أمين بك ويد الله كريم وعبد مراد وحسن حسين ومظفر النقشبندي وعادل مراد … ، بعدها بأيام بدأت حملة واسعة لطرد مئات العوائل من السليمانية وأربيل وكركوك وخانقين وكفري وسنجار وجنوب الموصل إلى المناطق المحررة من كوردستان للضغط على الثورة وارباك الحياة الاجتماعية هناك، ولكن النتائج كانت على عكس مخططات النظام.

 . ** القصيدة التي كتبها والدي (لگه ل ريبارى خابيرى – برفقة نهر خابور) مع نبذة عن حياته هي واحدة من محتويات كتاب الأدب الكردي للصف الثالث متوسط ضمن المنهج الدراسي المقرر بعد اتفاقية ١١ آذار / مارس ۱۹۷۰ وجاء في هذا الكتاب بأن والدي قد قام بتأليف هذه القصيدة عن الخابور تيمنا به، وهذا الكتاب بقي مقرراً للتدريس حتى إلى قبل سنوات قليلة وطوال فترة سنوات السبعينات والثمانينات والتسعينات، ويمكن طلب نسخة منه من أرشيف أي مديرية للتربية في العراق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com