خبث السياسة… بين “طنجية” بنكيران وكفتة “الميريكان”

9 مايو 2025
خبث السياسة… بين “طنجية” بنكيران وكفتة “الميريكان”

“نحن من أشعلنا الحريق… ولكن لهيبها ليس مسؤوليتنا!”


بقلم: يوسف بوغنيمي.

كاتب من المغرب

في بلاد المغرب، حيث السياسي إذا فاز نقض الوعد، وإذا جاع وعد، وإذا خسر اتهم “التحكم”، طلع علينا الزعيم المعجزة عبد الإله بنكيران، بعد فوزه مؤخراً بأمانة حزبه الذي سير البلاد لعقد من الزمان، لا ليتحدث عن برنامجه السياسي، ولا ليدافع عن قضايا الوطن الملحة في ظرفية حساسة وحاسمة، بل ليسرد علينا مطولاً محاضرة في فنون “البصطيلة”، “الطنجية” المغربية و”الكفتة الميريكانية”، وكأنه يتحدث في مقهى للأكلات الشعبية بساحة جامع الفنا، ولا كزعيم سياسي لحزب أحرز منصب رئيس حكومة سابقا

نعم، بنكيران، الذي أوصل حزب “المصباح” إلى قاع السياسة، خرج علينا ملوّحًا بلسان حاله:
إن لم أعد ذلك الفارس المغوار في مشهد السياسة والانتخابات المقبلة، فعليّ وعلى أعدائي يا أنصار الكفتة “الميريكانية!” بكل فصاحة سياسية مشوية على نار هادئة، يريد إقناعنا أن الحزب ما زال يلمع… ولو في ظلام الانكسارات.

والعجيب أن بنكيران لم يأتِ ليعتذر عن الكوارث التي خلفها حزبه سابقاً في خضم تسيير دواليب الحكومة المغربية، عن تبعات تحريره للمحروقات، وتهشيم الطبقة المتوسطة، ورفع سن التقاعد، بل جاء لينكّت كعادته، متناسياً أن الشعب الذي وضعه فوق رأس الحكومة، هو نفسه من مسحه من صناديق الاقتراع سنة 2021.

لم يقدم بنكيران خلال سنوات الحكم سوى قاموس جديد في السياسة من قبيل العفاريت، التماسيح، وسلسلة من البكائيات، والتصريحات الانفعالية. وهي أشياء كلها فطن لها المغاربة باستثناء مريديه، الذين لم يفطنوا بعد أن وعودهم  السياسية تبخرت، وحزبهم تقزم حتى صار مادة للسخرية، بعدما كان رواده “يصلون بالناس” فترة  الحملات الانتخابات.

أما قضية الصحراء المغربية، فلم نشاهده يدافع عنها بقدر لهفته على كراسي المناصب الوزارية.

ها هو بن كيران، في ظل حكومة متوحشة وتغول سياسي غير مسبوق، وفي وقت كنا ننتظر ممن فشلوا في الانتخابات الماضية أن يشكلوا جبهة معارضة قوية تزلزل أركان حكومة أخنوش وتجعلها تضرب لها ألف حساب، يطل علينا زعيم “الطنجية” ليتحدث عن “الكفتة الميريكانية” وكأنها مشروع سياسي وبرنامج إنقاذ وطني!

المشكلة ليست في نكات صاحبنا، ولا في “قهقهاته”، بل في خبث سياسي حقيقي، للساسة لدينا حين يتكلمون بلغة الفقراء، ثم يمررون سياسات تسحقهم. يلبسون جلباب أولاد الشعب، ويخيطون تحالفاتهم على مقاس الباطرونا. وحين يشتعل الحريق، يصرخون:


نحن من أشعلنا الحريق… ولكن لهيبها ليس مسؤوليتنا!”

ويحيلنا كل ذلك إلى فصل آخر من المسرحية السياسية عندنا، حينما أطل علينا أحد البرلمانيين ،  ليتذكر فجأة، وقبيل الانتخابات، أن الطريق محفرة ويطالب وزير التجهيز والماء بالإصلاح، لكنه على الأقل كان متصالحاً مع نفسه حينما قال بكل عفوية: “ما بقا والو للانتخابات!”

هذه حال السياسة ومعها نُكَث السياسيين. أما الوطن؟ … فقد تُرك للملك وللشعب. أما السياسيون، فانشغلوا بملاعق المصالح، يتصارعون داخل مطعم سياسي على وقع قفشات الحلقة.
فلتسقط الكفتة السياسية، ولتحيَ الوطنية الصادقة، التي لا تُهرّب في تصريحات انتخابية، ولا تُطهى في طناجر المصالح.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com