برلمان فاسد

8 مايو 2025
برلمان فاسد

نواف شاذل طاقة

باريس

قرر مجلس الوزراء تنظيم دورة الانتخابات البرلمانية المقبلة بتاريخ 11 تشرين الثاني المقبل. وفي حال تنظيمها في موعدها، فستكون الدورة السادسة التي يشهدها العراق منذ عام 2003، والتي تميزت منذ دورتها الاولى حتى اليوم بالتزوير. ولعل البعض يتذكر أول دورة نُظمت أيام الاحتلال عندما كانت عجلات الهامر الامريكية المجهزة بمكبرات الصوت تشارك في الترويج للمرشحين، وكانت في كثير من الاحيان تنقل صناديق الاقتراع الملآى بالبطاقات الانتخابية من مكان لآخر بحجة توفير النقل الآمن لها. سمع العراقيون بالتزوير، لكنهم لم يتأكدوا منه إلاّ بعد أن تخاصم الفائزون وراحوا يفضحون بعضهم البعض على شاشات التلفزيون، فعرفت الناس كيف أهدت قوات الاحتلال هذا الحزب عددا من المقاعد، وأرضت ذلك الحزب بعدد آخر منها. بعد رحيل القوات الأمريكية، دخل العراق مرحلة النفوذ الإيراني التي لم تختلف عمليات التزوير فيها عن سابقاتها. عن التزوير والخداع،

ربما يتذكر الزملاء الدبلوماسيون الذين عملوا في بعض سفارات العراق الكبرى تدفق الاف العراقيين إلى هذه السفارات من عواصم ومدن مختلفة للإدلاء بأصواتهم في انتخابات سابقة، معتقدين انهم سيساهمون في صناعة غد مشرق لبلادهم، وهم ربما يجهلون حتى اليوم ان الصناديق في السفارات التي ضمت بطاقات اقتراعهم مازالت تنتظر من يتكرم بإحصائها او ربما بحرقها، ولن تجد جواباً عن سر عدم ارسالها إلى العراق في حينه. وفي دورة الانتخابات الاخيرة التي جرت عام 2021، زعمت الحكومة ان نسبة المشاركين فيها بلغت 41 بالمئة من الناخبين. غير أن المنظمات غير الحكومية التي راقبت الانتخابات، ومن بينها فريق المراقبين المستقل الذي أوفده الاتحاد الاوروبي والذي ضم مئة مراقب تحدث عن مراكز انتخابية في بغداد لم تصل نسبة المشاركة فيها أكثر من 4.4 بالمئة من عدد الناخبين المسجلين، فيما قدرت منظمات مستقلة اخرى نسبة المشاركة الحقيقية في عموم البلاد بين 17-25 بالمئة.  إضافة إلى ما تقدم، فقد انتقد فريق مراقبي الاتحاد الأوروبي غياب الإعلام المستقل في الانتخابات، وانعدام الشفافية والرقابة المالية في الانفاق على الانتخابات، والتهديد باستخدام العنف لثني المستقلين عن الترشح، فضلا عن تشكيكه بصحة البيانات الحكومية حول أعداد الناخبين الحقيقية.

وبصرف النظر عن هذه الانتقادات، يبقى السؤال الاهم: ما الذي قدمه البرلمانيون للعراقيين خلال السنوات العشرين الماضية، ما قد يشجع أي مواطن على التوجه إلى صناديق الاقتراع مجدداً، فالبلاد تنام يوميا على فضيحة وتصحو في اليوم التالي على فضيحة أخرى. الحقيقة المؤلمة هي أن البرلمان العراقي ليس سوى مؤسسة فاسدة تكفل لكل من ينتمي اليها ان يصبح غنياً في غضون أربع سنوات فقط، وان تضمن له راتباً تقاعديا خيالياً بقية حياته. كل ذلك مقابل صمته عن الفساد وخضوعه لإرادات اجنبية، وبالتالي سقوطه. هكذا باعت حفنة من المجرمين وتجار السحت الحرام العراق بثمن بخس فوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. أود أن اقول لبعض الاصدقاء الكرام الذين يفكرون بالترشح للبرلمان بحسن نية: البرلمان جهاز فاسد وملوث، فلا تقتربوا منه، فتلوثون سمعتكم وسمعة عوائلكم الكريمة!!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com