عبدالواسع الفاتكي
كاتب من اليمن
يعيش اليمن اليوم واحدة من أحلك لحظاته ، في مشهد تتكثف فيه المعاناة ، ويتآكل فيه الأمل ، وتتعمق فيه الفجوة ، بين وطنٍ يئن تحت وطأة الأزمات ، وقيادة هجرت الوجع ، ولم تعد ترى اليمن إلا من فوق برج السلطة ، هناك من بعيد خارج حدود الجمهورية اليمنية ، حيث يطيب لها المقام .
في يمن أصبح الجوع فيه ضيفًا دائمًا ، والماء ترفًا لا يُطال ، والصحة سرابا ، والتعليم حلمًا مؤجلًا ، يقف المواطن اليمني مكشوف الظهر ، بلا دولة تحميه ، ولا قيادة تتقاسم معه الخبز والعراء ، لا شيء يُشبه الحياة في هذا اليمن المنكوب ، سوى أنينه الذي يتردد في كل بيت ، وعلى شفاه كل أمٍ فقدت ابنًا ، أو أبٍ يعجز عن إطعام أطفاله .
الأسعار ترتفع بلا رحمة ، والرواتب ضئيلة أو غائبة ، والخدمات شُلّت بالكامل ، وما زال المواطن يفتش عن فتات حياة تليق بكرامته ، فلا يجد إلا خذلانًا مضاعفًا من سلطات شرعية ، كان يفترض بها أن تكون في مقدمة الصفوف ، لكنها آثرت الغياب ، واستبدلت ميادين المعركة بقاعات الفنادق الفاخرة .
في الوقت الذي يحارب فيه اليمنيون الجوع والمرض والنزوح والعجز ، لا تُحارب قيادتهم سوى الملل من كثرة البيانات والخطابات واللقاءات ، وكأن النضال يُدار من مقاعد جلدية مريحة ، لا من ساحات الوطن المحترق .
لقد سئم اليمنيون من البيانات المكرورة ، والخطابات المنمقة ، واستغاثات السلطة الشرعية بالمجتمع الإقليمي والدولي ؛ يريد اليمنيون قيادة تعيش بينهم ، لا من يُلقي عليهم النصائح من خلف الشاشات ، يريدون قيادة تلامس الأرض ، لا تلك التي تطير في سماء الوعود .
في وطن تتقاسمه طبقة صغيرة مترفة تنعم بالامتيازات ، وأغلبية مسحوقة تكدّ وتئنّ وتموت ، تُولد كل يوم ثورة صامتة وصرخة مكبوتة وغضب قادم لا محالة .
المليشيات الحوثية لم تسقط ليس لأنها قوية ، بل لأن السلطةالشرعية ضعيفة ، ليس لأنها تحمل مشروعا صالحا لليمنيين ، بل لأن الشرعية اليمنية تفتقر للرؤية الموحدة والعمل الناجز والوجود الفعال .
إن السؤال الذي بات يؤرق كل يمني مخلص : إلى متى نبقى أسرى قيادات لا تعيش بيننا ، ولا تعرف شيئًا عن جوعنا ووجعنا واستنزافنا اليومي؟! إلى متى نظل ندفع ثمن فشلٍ لسنا مسؤولين عنه ، وصراعٍ لا نعلم نهايته؟!
اليمن بحاجة إلى قيادة وطنية حقيقية ، لا تُجيد التنظير ، بل تُجيد القيادة والتضحية ، قيادة تعاني مما يعانيه الناس ، وتتحمل حرارة الشمس مثلهم ، وتسهر لوجعهم ، لا لولائم الفنادق ، وما لم تأتِ لحظة الصدق والمكاشفة ، لحظة التغيير الحقيقي ، الذي يعيد ثقة اليمنيين بقيادة السلطة الشرعية لمعركة تطهير اليمن من المشروع الكهنوتي السلالي ، وما نجم عنه من مآس وآلام وأوجاع ؛ فإن اليمن سيبقى معلقًا بين نارين : نار الانقلاب الحوثي ، ونار فشل السلطة الشرعية .
عبدالواسع الفاتكي
كاتب صحفي ومحلل سياسي يمني