قصة قصيرة

د. عزيز القاديلي

كاتب من المغرب
كان منشغلا برفع أصبعه مصرا على أخذ الكلمة قصد المشاركة بكل حماس في الإجابة على أسئلة الأستاذ، و كنت أنا الذي أشاركه نفس الطاولة أنظر إلى محفظته الصغيرة الصفراء متسائلا بكل في صمت: كيف يمكنني حملها في محفظتي الكبيرة؟
لحظة دق الجرس و انتهت الحصة و لازال صديقي متحمسا للإجابة و المشاركة، امتدت يدي إلى المحفظة الصفراء، جررتها نحوي بهدوء، حملتها ثم وضعتها في محفظتي مثل لص محترف. كنت مبتهجا و خائفا أن ينكشف أمري. سحبت نفسي باتجاه باب القسم، و خرجت كمن حصل على غنيمة. عبرت ساحة المدرسة الكبيرة، و أنا أنصت إن كانت هناك حركة ما، شخص ما يتبعني. و ما إن تجاوزت الباب الخارجي للمدرسة حتى أخذت أركض باتجاه الحي الذي يجمعنا أنا و صديقي. أجري و إحساس غريب يسري في دمائي الحارة.
لحظة سمعت صوت صديقي يأتيني من بعيد صارخا بكل ما أوتي من جهد يسألني إن كنت قد رأيت محفظته؟ و حينما استدرت نحوه رافعا يدي دلالة النفي، سقط المسكين أرضا كما لو أنه فقد الوعي. ثم بنفس الحدة و الجهد قام عائدا إلى المدرسة بحثا عن محفظته.
تابعت طريقي و أنا أفكر في ماذا سأفعل بمحفظة صديقي، هل أتركها عندي و أسلمها له بعد الزوال أم أسلمها لعائلته؟ لكن ماذا سأقول لهم؟
حينما وجدتني أما منزل صديقي، طرقت الباب في هدوء، سلمت المحفظة لأخته الكبيرة و هي تستغرب الأمر و تسألني عن أخيها. أخبرتها أنه كلفني بحملها و هو قادم الآن.
بعد الزوال، مررت على منزل صديقي كي نعود سويا إلى المدرسة، فخرج إلي بوجه غاضبا محاولا العراك معي بعد أن شعر أنني خدعته. كنت لحظتها أضحك بشكل هستيري لأنني نجحت في تدبير هذا المقلب. لكن المفاجأة التي باغتني بها صديقي و حول ضحكي الهستيري إلى فزع و رعب، هو حينما أخبرني أنه قدم شكاية بالأمر إلى الحارس العام، و قد وعده هذا الأخير بمعاقبة السارق عقابا عسيرا. أحسسن لحظتها برعب حقيقي، و بدأت أتوسل إليه أن يسامحني، و أنني ما فعلته ليس سرقة بل أرضت أن أمزح معه. لحظتها زالت علامات الغضب عن وجه صديقي و بدا مسرورا و أنا مرعوب و خائف من العقاب الذي ينتظرني. كنا نسير نحو المدرسة و طبول الرعب أسمع دقاتها في كل خفقة من خفقات القلب، في كل رجة من رجاته. كنت أعرف مسبقا قسوة ذلك الرجل، ثم إنه لن يسامحني على تصرفي هذا. حتى و لو لم أكن سارقا حقيقيا. المهم من كل هذا هو أن صديقي كان مبتهجا و يمشي منتشيا مثل طاوس.
حينما وصلنا إلى المدرسة، و نحن نتجاوز الباب الحديدي الكبير إلى الساحة الواسعة، جاءنا صوت الحارس العام من بعيد سائلا صديقي إن كان قد عثر على محفظته؟ رأيت صديقي يرفع محفظته صائحا: نعم وجدتها. و دون أن يضيف شيئا. نظر صديقي باتجاهي، التقت نظرات التوسل بنظرات الابتهاج و الانتصار. ثم أخذ يخطو نحو و أنا وراءه…