عبدالواسع الفاتكي
كاتب من اليمن
في زمنٍ اختلطت فيه الأصوات ، وتعددت فيه الوجوه ، التي تزعم حب اليمن ، صار من الصعب أن نُميز المقاوم الحقيقي من المتكلم باسمه ، والفعل الصادق من البيان المتخم بالبلاغة ، لكن الحقيقة ، كما قال محمود درويش : “على هذه الأرض ما يستحق الحياة ، ولا يعرف قيمة الأرض إلا من وطأها بالقدم الحافية ، لا بالحذاء الدبلوماسي “.
في عمق الجبال وأعاليها ، تحت شمسٍ لا تعرف الرحمة ، رجال يشقّون الأرض بأيديهم ، جائعون إلا من كرامتهم ، عراة إلا من عزيمتهم ، لا نراهم في نشرات الأخبار ، يقارعون الموت بثباتٍ لا يعرفه نزلاء الفنادق ، إنهم رجال الخنادق ؛ من تعرّقوا ، وجاعوا ، وتألموا ، ولم يسألوا الوطن شيئًا سوى أن يبقى ، تراهم حفاة ، بأسلحة صدئة ، وأحلام ممزقة ، لكن في قلوبهم حصون لا تهتز ، إنهم يرددون ما قاله المتنبي ذات حرب : “إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ، فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”.
في الطرف الآخر من المعادلة ، وفي أروقة الفنادق ذات النجوم الخمس ، هناك بعيدا عن اليمن واليمنيين ، بعيدا عن ميادين النضال ، ضد سرطان السلالة ، ثمّة من يصفون أنفسهم بأنهم مع اليمن ضد الكهنوت الحوثي ، أو هكذا يقولون ، لباسهم أنيق ، وربطات أعناقهم مشدودة، وهم يتحدثون عن القضية الوطنية ، كما لو كانت حكرا عليهم ، يقيمون المؤتمرات ، ويعقدون الصفقات ، ويصورون النصر قبل أن يولد ، أولئك من اتخذ من الفنادق يمنا بديلا ، شغفًا بالراحة ، وربما انتظارًا لمكاسب ما بعد المعركة ، يجلسون على كراسي السلطة ، بتبادلون الابتسامات أمام الكاميرات ، متحدثين باسم الشعب اليمني ، الذي لم يشاركونه يوما ، في حرب او حصار أو مجاعة .
متى ما صارت الغربة تجارة ، والكلمات سلعة ، سقطت الهيبة ، وذبلت الوطنية ، من لم يعش مرارة الحرب والحصار ، لا يعرف طعم الانتصار ، قالها أحد المقاتلين العائدين من الجبهات ، وهو يرى صور أولئك الذين يتربعون كراسي السلطة الشرعية من الخارج ، ولم تطأ أقدامهم أرض المعركة ، ولم تلفح وجوههم غبارها .
بين الخنادق والفنادق قصة يمن معلّق بين الطين والرخام ، بين التراب الذي يُحفر بالأظافر ، وبين الطاولات ، التي تُدار عليها أكواب المصالح الشخصية باسم اليمن ، وبينهما يقف التاريخ شاهدًا يسجل ، من الذي مات ويموت في سبيل اليمن ومعركته الجمهورية ، ومن الذي عاش على حسابها ؟!
إن نزلاء الفنادق إذا دخلوا قضية او معركة وطنية أفسدوها ، وجعلوا أحرارها أذلة ، لكن يقيننا في أن أهل الخنادق ، لا يملكون ترف الخيانة ، ولا وقتا للمساومة بالشرف الجمهوري ، إنهم ببساطة سور اليمن العظيم ، وآخر من تبقى من الكرامة .
عبدالواسع الفاتكي
كتاب صحفي ومحلل سياسي يمني