التحليل النفسي للشخصيّة

24 مايو 2025
التحليل النفسي للشخصيّة

التحليل النفسي للشخصيّة الصهيونية

محمَّد عبد الشَّافي القُوصِي

كاتب من مصر

      “التحليل النفسي” منهج أسلوب علاجي لتحليل السلوكيات والعمليات العقلية اللاشعورية لمعرفة الأسباب الكامنة وراء تصرفّات أفراد أو جماعات بعينها … ونظراً لِمَا يَشهده العالَم مِن سلوكيات الصهاينة الشائنة وأفعالهم الشنيعة، كان لابدَّ من قراءة تلك السلوكيات والممارسات قراءة نفسيّة، حتى يسهُل التعامل معها…!  

   “ليس هناك أبغض للناس من كلمة “الصهيونيــة”، فهي بغيضة في كل بلد، بغيضة في كل زمن، لا يُحبّها ولا يَعطف عليها أحد، سوى أنصارها المستعمرين والمتعصبين –هكذا قال  (روجيــه جارودي  Roger Garaudy)؛ لأنَّ الصهاينة لم يألفوا أحدًا ولم يألفهم أحدٌ منذ عُرِف اسم العبريين في التاريخ، فالخُلُق الذميم الذي تأصَّل فيهم منذ أقدم العصور، جعلهم بُغضاء منبوذين في كل مكانٍ أقاموا فيه، وهم يَعرفون أنهم مَبغضون ولا يَستغربون، وخصومهم –أيضاً- يَعرفون أنهم يبغضونهم ولا يستغربون؛ لأنهم يعرفون جذوره وأسبابه! 

   لم تكن “الصهيونية” في الماضي عقيدةً دينية، بلْ كانت نزعة سياسية، لهذا نشأت أول الأمر في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى، حيث بلغ الضغط على اليهود أشده في القرن التاسع عشر، ثمَّ نشأت مع المسألة الشرقية واستخدمها الساسة لتحقيق مطامعهم في بلاد “الرجل المريض” أيْ: الدولة العثمانية كما سمَّاها رواد الاستعمار.

   فالصهيونية –إذنْ- وليدة السياسة والسياسيين، وجملة أسبابها هي: الاضطهاد وظهور الفكرة القومية ومطامع الاستعمار، فهي مسئولة عن كل فاصلٍ تقيمه بينها وبين أُمَم العالَم؛ لأنها من قديم الزمن تُقسّم العالمَ إلى قسميْن متقابلين: قِسم إسرائيل وهم صفوة الخَلْق وأصحاب الحظوة عند الله لغير سبب إلاَّ أنهم أبناء إسرائيل، وقِسم آخَر يسمّونه قِسم الأمم أو «الجوييم» ويشملون به جميع الناس من جميع الأقوام والأجناس.

   هذا، ويَشهد التاريخُ أنَّ الصهاينةَ لا يَعرفون ديناً، ولا يَعترفون بقانونٍ ولا شريعة، ولم يَعرفوا الولاءَ والإخلاص في الطاعة لمن يتولى شئونهم، وكل ما عرفوه وعرفوا به في تاريخهم الطويل طبيعة التمرد والالتواء والعصيان، ومِمَّا يؤيد تلفيق الدعوى الدينيَّة في مسألة الصهيونية الحديثة، أنَّ زعيم الصهيونية “تيودور هرزل” كانت فكرته الأولى تحويل اليهود إلى المسيحية!

     إنهم يستغلونَ دعوى الاضطهاد، ويتخذونها وسيلةً لتخيُّر الأمم باسم الإنسانية والغيرة على الحرية –كما يقول (برترانـد رسْـل Bertrand Russell)، كما أنهم يتوقعون الاضطهاد ويستثيرونه بوقوفهم موقف المقاومة له، سواء تعرضوا له أو حرضوه بالعزلة والتآمر على استغلال الآخرين، مع أنهم أشدّ الناسِ اضطهادًا لغيرهم إذا مَلكوا القدرة الظاهرة أو الخفية، بلْ إنَّ الصهيونية هي المسئولة عن كل اضطهاد تجرُّه على نفسها وعلى أبناء دينها … إنه مرض نفسي في الصهاينة على نحو لا يقبل المراء… ومن أعراض ذلك المرض أنهم يُسمُّونَ ربَّ العالَم «رب إسرائيل» ويَحسبون أنه خَلَقهم وحدهم له، وخلق الأمم جميعًا لخدمتهم إلى آخر الزمان! وتراهم يتدرَّجونَ مِن طمع إلى طمع كلَّما أنِسُوا التشجيع أوْ الإغضاء من دول الاستعمار.

    فهم يقولون -ولا يملُّون تكرار القول-: إنَّ الاضطهاد هو علَّة الصهيونية الأولى، وإنَّ قيام الصهيونية يقضي على هذه العلة أو يمنع تجديدها.

   والحقيقة التي نريد أن نُقررها هي أنَّ الاضطهاد نتيجة لداء مُزمن في اليهود سيبقى معهم في كيانهم الجديد كما كان معهم في دولتهم القديمة.

   فمَن الذي اضطهد اليهود في مملكة سليمان حتى انقسمت على أهلها، ثمَّ انقسم كل شطر من شطريْها على أهله؟ ومَن الذي اضطهدهم يوم تمردوا على كل نبيٍّ من أنبيائهم، وكل قائدٍ من قادتهم، وهم بعيدون من سلطان غيرهم؟

    إنَّ القرآن الكريم قد وصفهم حقًّا حيث قال عنهم: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰۚ﴾، ولم يصفهم القرآنُ الكريم إلاَّ بما وصفتهم به كتبهم ورسلهم من أقدم عصورهم إلى ما بعد عصر المسيحية .. ففي الإصحاح الحادي والثلاثين من سِفر التثنية يقال لهم بلسان الربّ: «إني عارف تمرّدكم ورقابكم الصلبة”. وفي الإصحاح التاسع من سفر نحميا أنهم “أُعطوا كتفًا معاندة، وصلَّبوا رقابهم ولم يسمعوا”. وفي الإصحاح السابع عشر من سِفر أرميا أنهم “قَسوا أعناقهم لئلاَّ يسمعوا ولئلاَّ يعقلوا”. وفي أعمال الرسل أنهم غلاظ الرقاب. وفي غير هذه الكتب إجماع على غلظ رقابهم، وشكاستهم، وامتناع الوفاق بينهم. وهذه هي الآفة التي لا تفارقهم في دولتهم الجديدة، وما فارقتهم قط في دولتهم الغابرة، حتى قَضوا عليها قبل أن يقضي عليها أعداؤها. وقد جَرُّوا على أنفسهم الاضطهاد في كل بقعة وفي كل عصر. وبين كل قبيل!

     يقول عبّاس العقَّاد: إنَّ تقلُّبات السياسة هي مادة وجود الصهيونية وبقائها، فهي حالة لم تُعرف لها سابقة في التاريخ. فالدول الكبرى تُعين الصهاينة تعصبًا على الإسلام والعرب، فلم نسمع أنَّ “إسرائيل” تُدان في أيّ جريمة تقترفها، لكنها تتجنَّى على غيرها وتشكوه. فتنفتح الآذانُ والصدور لاستماع شكواها .. ولكن البِنيَــة لا تستمد الحياة من معونة غيرها إن لم يكن فيها قوام الحياة، ومتى وقفت “إسرائيل” في جانب من عزلتها وعصبيتها، ووقف العالَمُ كله على سِعته في جانب الحذر منها؛ فذلك هو المصير الذي لا مراء فيه، وذلك هو الختام!

   وإذا كان في وُسِع الدول الكبرى أن تصنع كثيرًا لإسرائيل، لكنَّ شيئًا واحدًا لا تستطيعه لأنه لا يستطاع. فليس في وسعِها أن تُغنِيها عن معونتها، وإنْ طال صبرها على معونتها فليس في وسِعها أن تضمن لها دوام التقلّبات السياسية في مصلحتها، ولا أن تقتلع من طباع أبنائها جذور ذلك الداء الذي شكاه أنبياؤها قديمًا: داء الرقبة الغليظــة، وليس له دواء.

       تناقضات الكيان المزعوم 

    ثمَّة جُملة من التناقضات تضرب بمعولها في كيان إسرائيل من أساسه، فإنها قد أُنشِئت لتكون وطنًا قوميًّا لليهود، فهل هي كذلك الآن؟ وكيف يمكن أن تكون وطنًا قوميًّا لهم بأيّ معنى من معاني الوطنية؟ إنها لا تسع يهود العالَم، ولا يهود العالم يرغبون جميعًا في الانتقال إليها. قد صدف عنها من رحلوا إليها، وتبيَّنَ للكثيرين منهم أنَّ مقامهم في الديار الأجنبية أنفع لهم من محاولتهم العقيمة في البلاد التي يزعمون أنها وطنهم المختار. وإذا طال بإسرائيل عمرها وجاء اليوم الذي يتكرر فيه اضطهاد النازية والفاشية فليس من البعيد أن تصدَّ إسرائيلُ سيولَ الهجرة إليها كما تصدَّها الأممُ الأخرى؛ لأنها لا تستطيع أن تؤويهم، بلْ لا تريد إيواءهم باختيارها، سواء قصدوا إليها للإقامة الدائمة أوْ للإقامة الموقوتة.

  الخلاصـــة: أنَّ إسرائيل هي القضاء المبرم على إسرائيل وعلى الصهيونية بعدها بأمدٍ قصير. وقريباً، سيأتي اليوم الذي يعلم فيه الصهاينة أنَّ قيام إسرائيل نكبة عليهم ونكسة بهم إلى عزلتهم الأولى وعصبيّتهم الباطلة التي يعاديهم الناس من أجلها ويعادون مِن أجلها كل إنسان لا يحسبونه من خلق الله، ولا في عداد “شعب الله المختار”!

   خلاصــة الخلاصـــة: أنَّ العامل المهم في بقاء الصهيونية بفلسطين يتوقَّف على إرادة الدول العربية في نهاية المطاف –كما يقول العقّاد- فلن تدوم الصهيونية في الشرق الأدنى إذا عملت الدول العربية على أن تموت ولا تدوم، ولن تحيا إسرائيل إذا بقيت مقاومة العرب راصدة لها في كفة انحلالها وفنائها ولو دامت لها معونة الثقليْن، وهي لا تدوم. ليس للأمم العربية من خيار إلاَّ مقاطعة حلفاء إسرائيل، والكفّ عن معاملتها.

*   *   *

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com