قصة أردا غولر الملهمة: من كساد العائلة الى مجد ريال مدريد
10 مايو 2025
ترجمة بتصرف:عبد العزيز حيون
كاتب وصحفي من المغرب
خاص لصحيفة قريش – لندن
فتح أردا غولر Arda Güler ،لاعب ريال مدريد الموهوب ،قلبه ليروي تفاصيل كثيرة من قصة حياته ومسيرته الكروية المذهلة والملهمة لموقع The Players Tribune ،المختص في المقالات المؤثرة حول الرياضيين. و يكشف فيها أردا غولر مراحل دقيقة ومؤثرة وشاقة وسعيدة عن حياته ، منذ طفولته وحتى انضمامه إلى ريال مدريد ،سماها “رسالة إلى أطفال وطني” ، التي تجمع بين أكثر اللحظات عاطفية وألم وحكايات تثير الضحك من الغرفة المغلقة لريال مدريد.وأعرب اللاعب الشاب الشهير عن أمله أن تلهم قصته المثيرة والطريفة أطفال وشباب بلد يعشق كرة القدم حتى النخاع وتفيد تجربته في تحقيق أحلام الكثيرين .
ويقول غولر إنه عندما كان في الثانية عشرة من عمره، كان شغفه هو امتلاك جهاز بلاي ستايشنPlayStation ” لا يُمكنكم تخيل كم تمنيت الحصول على هذا الجهاز ..كنتُ أتوسل إلى والدي كل يوم أن يشتري لي واحدا. كان هدفي الوحيد هو لعب فيفا 17. لكن في الواقع، لم ألعب ألعاب الفيديو كثيرا في صغري لأنني كنتُ كل الوقت ألعب كرة القدم في الشارع. الى غاية يومٍ ما، حصل أحد أصدقائي على جهاز بلاي ستايشن 4 بلعبة فيفا 17، وكان ذلك أفضل يوم في حياتنا..” .وأضاف أنه “بالنسبة إليه وصديقه ، لم تكن مجرد لعبة. كنا نشاهد حلمنا الحقيقي يتحقق على شاشة التلفزيون. كنا مُدمنين . في كل مرة كنت أعود فيها من منزل أصدقائي، كنت أتوسل وأستعطف والدي ليشتري لي جهاز بلاي ستايشن 4،و في المقابل “سأكون مهذبا ..وسأدرس باجتهاد ومثابرة أكثر “
.ولن أنسى أبدا ما حييت اليوم الذي وجدت فيه علبة مغلقة على الطاولة في إحدى غرف المنزل . “لقد جننت. نظرت إلى والدي وكأنني أقول: هل أنت جاد؟ قال أبي: “حقا”. “عندما شغّلتُ جهاز البلاي ستايشن، لم يكن يحتوي على اللعبة والأسماء بعينها التي كنت أرغرب فيها ،واحتوى على بعض الأسماء التي كانت غريبة بعض الشيء… إذا أردت أن ألعب بشخصية كريستيانو رونالدو، فيما كنت مجبرا أن أختار ناد يُدعى “إم دي بلانكو””. فسأل والده: “هل أنت متأكد أن هذه هي لعبة فيفا الصحيحة؟ ،لأن هناك خطأً ما…” .واسترسل غولر ، وهو يروي قصته الشيقة ، “لم يزعجني أن يكون لدي لعبة FIFA مزيفة.
لا أحتاج إلى ملعب حقيقي، أو هدف حقيقي، أو جهاز بلاي ستايشن جديد، فأنا سعيد للغاية ..وأحببت الجهاز بكل جوارحي ” .كساد العائلة ومشاكلها المالية العسيرة وتحدث أردا غولر عن كساد العائلة والمشاكل المالية التي واجهتها ،وكيف كافح والداه من أجل توفير قوت اليوم . وإبان تلك الفترة “كان لدي مُعلم التربية البدنية يُدعى “محمود”. في أحد الأيام، عندما كنت في التاسعة من عمري، طلب من والدي تسجيلي في أكاديمية غينتشلر بيرليغيacademia Gençlerbirliği . في البداية، رفض والدي لأن الأكاديمية تبعد أكثر من ساعة عن منزلنا ، لكن محمود أصر وهو يرى في موهبتي الكروية شيئا مميزا ..وأقنع الوالد . ثم بدأ والدي يُقلّني بالسيارة، وأثناء غيابه لأسباب ما ، كان يقوم بهذه المهام شريك الوالد في المتجر.
لا أعرف ماذا حدث، ولكن في أحد الأيام قال لي والدي: “يا بني… علينا إغلاق المتجر””.لقد كسدت تجارتنا . و”كان المتجر هو مصدر دخل العائلة الوحيد..ولم أعد أتحمل تكلفة حتى أبسط الأمور ، لذلك، كنت منشغلا وكثير التفكير في أمر أسرتي وصعوباتها المالية ،حتى أني كنت أرفض مصاحبة أصدقائي للترفيه عن النفس لعدم توفري على المال الكافي . لحسن الحظ، كان لدينا دائما طعام على المائدة . في أعماقي، كنت متيقنا أننا كنا محظوظين رغم هذه الظروف الصعبة “. وبعد فترة من الوقت، “فتح والدي متجرا جديدا. لقد ساعدنا ذلك، ولكن بعد بضع سنوات، عندما أراد فنربخشة التعاقد معي، كنا في أمس الحاجة إلى المال ،لتجاوز الصعاب ولم يكن همنا فقط هو أن أتألق كرويا وأضمن مسيرة موفقة وناجحة” . ويحكي غولر عن زيارته الأولى لملعب فنربخشة، وكيف استغل منع دخول الرجال البالغين إلى الملعب. “كانت إحدى أمنياتي الغالية حضور مباراة في الملعب. كان الحصول على التذاكر عبر الإنترنت شبه مستحيل. ولكن في سنة 2014 ، “عندما كنت في التاسعة من عمري، تعرض نادي فنربخشة لعقوبة ، وبدلا من إغلاق المدرجات، سُمح للنساء والأطفال فقط بالدخول الى الملعب “. واعتبر غولر أن هذه الفرصة ثمينة ولا تعوض أبدا ، لذلك في الليلة التي سبقت طرح التذاكر للبيع، سافر هو ووالديه وأخته بالسيارة لمدة خمس ساعات إلى مدينة إسطنبول. وعند وصولهم انتظروا أمام شباك التذاكر لمدة طويلة ابتداءا من الساعة الخامسة صباحا، وناموا في السيارة حتى تم فتح الشباك ،ليفتح معه أمل الولوج الى الملعب لأول مرة ويحقق بذلك الحلم الذي راوده طويلا .وبعد ذلك اضطر أردى غولر الفتى إلى مغادرة مسقط رأسه أنقرة للعب مع نادي فنربخشة في إسطنبول عندما كان عمره لا يتعدى 13 سنة . “ترددت العائلة بأكملها عندما كان علينا اتخاذ القرار ، لكن الضغوط المالية أجبرت الجميع على ذلك ،بعد أن استغرق الأمر ثلاثة أشهر لاتخاذ القرار، لأن قرارا حاسما كهذا قد يُغير حياتك الى الأبد “. كان حلمي ،يقول غولر ، أن ألعب مع فنربخشة، النادي التركي العريق ، لكننا كنا نعلم أيضا أنه قرار بالغ الأهمية ومحفوف بالكثير من المخاطر، “إذ لا أحد يضمن أن أصبح مستقبلا لاعب كرة قدم محترفا ومشهورا “.ولدعم غولر الفتى ،أخبره والده أنه “إذا سارت الأمور على ما يرام ونجح في فنربخشة بعد ستة أشهر، سنبيع كل شيء ونلحق بك في إسطنبول ”
في اليوم الذي غادرنا فيه أنقرة، جمع أبي كل أقاربنا ، حوالي 30 شخصا ،وكان هذا الأمر بمثابة عيد ميلادي، لذلك احتفلنا به بكعكة كبيرة، لكن أمي ظلت تبكي بلا توقف. لم أرَ أبدا احتفالا فيه الكثير من الآلام والدموع. لقد “وعدتها بأن أجعلها فخورة وأننا سنكون معا قريبا في إسطنبول، لكن المحادثة المؤثرة كانت مع أختي، التي تكبرني بثماني سنوات،فقبل أن نركب السيارة للمغادرة، نظرت إلي في عيني وقالت: “أردا، عليك أن تملأ الثلاجة”، “إملأ الثلاجة “، “أردا، عليك أن تثق بنفسك وتنجح “.وأضاف غولر “عندما يكون عمرك 13 سنة ، من الصعب أن تعرف كيف تشعر في موقف صعب ومؤلم كهذا. تلعب كرة القدم من أجل المتعة، وفجأة يصبح مستقبل عائلتك رهين بنجاحك . كل ما أتذكره هو أنني في طريقي إلى إسطنبول، أخرجت هدية عيد ميلاد كان والدي قد قدمها لي، وهي عبارة عن “مفكرة” (دفتر ملاحظات)OneNote ، وكان هناك عنوان كبير على الغلاف. أردا 10. ومن تلك اللحظة قررت أن أكتب أسماء جميع الأشخاص الذين ساعدوني ودعموني وساندوني بلا شرط .أسرة أردا غولر تبيع كل ممتلكاتها يتذكر غولر صعوبة بداياته وكيف نجح في إقناع والديه بالانتقال إلى إسطنبول معه: “اشتقت لعائلتي. في أحد الأيام، غادرت فجأة. لم أعد أتحمل. لم تكن لدي الجرأة لإخبار والدي. كان ذلك سيؤلمه كثيرا. لكنني كنتُ أعلم أن عائلتي تفكر في الانتقال، فقلتُ لزميلي في السكن: “أرسل لوالدي رسالة تخبره فيها أن الأمور لا تسير على ما يرام معي”.
قال: “أحقًا هذا الكلام ؟” قلت، “نعم، فقط أخبره أنني بحاجة إلى المساعدة ،ولقد نجحت فكرتي ،و بعد تلك الرسالة انتقلت أسرتي إلى إسطنبول للعيش معي. لقد باعوا المنزل و أغلقوا المحل التجاري..و راهنوا بمستقبلهم من أجل ابنهم الصغير ،وكأن لسان حالهم يقول “إذا فشلت أنت، فقد انتهينا جميعا…”مرض والدة أردا غولروكشف غولر عن إحدى أصعب لحظات حياته ،حين أجرت أمه عملية على القلب ،” لن أنسى أبدا المكالمة التي تلقيتها في غشت 2022 ، أردا… والدتك تعاني من مشكلة في القلب. لقد خضعت لعملية جراحية طارئة،..وعندما تسمع ذلك، تختفي كرة القدم من ذهنك. تتعرض للإحباط وتشعر بالألم . واضطر الأطباء إلى استبدال صمام قلب”. وبينما كانت أم غولر تستعد للعملية، شاهدته يسجل هدفين ضد قاسم باشا من سريرها في المشفى وهي تدرف الدموع ،و” بكيت أنا أيضا، ظننتُ حقا أنها ستموت.. و في اليوم التالي، أخبرت النادي أنني لن ألعب في المباراة القادمة.
أول مرة في حياتي، لم أرغب حتى في لمس الكرة” .وبعد ذلك ولحسن الحظ، ساعده فنربخشة على تجاوز المصاعب ومطبات الحياة المتتالية ،
وفي يوم ما أقام له النادي حفلا خاصا ، وحرص الرئيس علي كوتش Ali Koç شخصيا على توفير أفضل الأطباء لمعالجة أمه ،و “سارت الأمور بشكل جيد وتعافتأمي” .وبعد شهرين تقريبا من إجراء العملية الجراحية لوالدته، سجل أردا غولر هدفا في مرمى دينامو كييف ورفع قميصه ليظهر رسالة موجهة لأمه وللعالم : “أمي، أحبك كثيرا “.مسيرة غولر والتحول الجذري شهدت مسيرة غولر تحولا مثيرا وسريعا في ربيع سنة 2023. وجلب له استدعاء المنتخب التركي موجة لا تصدق من عروض الانتقال الاحترافية من أندية معروفة ، لكنه رفض الخوض في أي منها ولم يتحمس لها ،قبل أن يتوصل بعرض ريال مدريد. وهكذا يصف انضمامه إلى ريال مدريد: وفي وقت لاحق من شهر يونيو، أخبره والده أنه بحاجة إلى التحدث معه لإخباره بعرض جديد. قلت: “لقد أخبرتك أنني لا أريد أن أعرف إلا إذا…” قال: “أردا…” “نعم؟” قلت. “إنه ريال مدريد” .
” لقد بدا لي الأمر غير منطقي أن يحدث هذا بهذه السرعة..في ذلك الصيف، دار بيني وبين والدي العديد من المحادثات الطويلة حول ما إذا كان الوقت مبكرا جدا بالنسبة لي لمغادرة الفريق التركي من أجل آفاق أخرى واعدة . الحقيقة أن الأمر كان معقدا جدا ، لأنه كان لدينا الكثير من العروض، وكان من الصعب بالنسبة لي أن أقرر ما يجب أن أفعله. ولكن بعد ذلك أجريت مكالمة عبر تقنية الفيديو مع كارلو أنشيلوتي.
ولن أنسى أبدا عندما شاهدته …وقال لي “مرحبا، أردا. كيف حالك؟” وكان هو في إجازة أيضا. كانت اللحظة سريالية لدرجة أنني أجد الآن صعوبة في تذكر التفاصيل، لكنني أعتقد أنه كان يرتدي أحد تلك قمصان جزيرة هاواي والنظارات الشمسية، وأعتقد أنه كان يدخن سيجارة أيضا. قال لي: “أردا، سيكون لك مستقبل باهر في ريال مدريد . ربما ليس في عامك الأول، لكن ستتاح لك فرص كثيرة . عندما يتقدم كل من مودريتش وكروس في السن، يمكننا أن نعول عليك في خط الوسط…”.وبعد أن أكد أردا غولر أن أنشيلوتي أجبره على التوقيع لريال مدريد لمدة ست سنوات ،قال إن رغبته الباطنية هو ” البقاء إلى الأبد” في النادي الملكي ،وفي هذه اللحظة المؤثرة “كنت جالسا بجانب والدي، وعندما بدأت أمي بالبكاء، مسحت دموعها وقبلتها على خدها…”.في أيامه الأولى في ريال مدريد، كان كل شيء جديدا عليه . وظن أردا غولر في ذلك الوقت أنه في كامل جاهزيته، و أصبح أنشيلوتي بمثابة “الأب .. وكان يعاملني بحنان و يمزح معي ،وأنا أحاول تقبّل فكرة تواجدي في أكبر ناد في العالم. لم أكن أعرف متى يكون أنشيلوتي جادا ومتى يكون غير ذلك ،وفي أحد الأيام، قال لي أنشيلوتي: “راؤول هو مدرب الكاستيا. إذا رأيته، فبلغه سلامي ..”. في اليوم التالي، بعد التدريب، “جاء إلينا رجل. قال أنشيلوتي : ” هذا راؤول”. لكن المشكلة هي أنه عندما ترى أحد هؤلاء الأساطير شخصيا لأول مرة، لا يبدو الأمر حقيقيا،فأنا لم أشاهد راؤول يلعب مع ريال مدريد أبدا إلا عبر اليوتوب”.ثم يستدعي أنشيلوتي توني كروس. “توني، هل هذا راؤول؟” “ماذا؟ بالطبع!” “قال توني.” ثم اتصل بمودريتش! “لوكا، هل هذا راؤول؟” “بالطبع إنه راؤول”، قال لوكا. حتى راؤول ينظر إلي وكأنه يقول: “بالطبع أنا راؤول”. يبدأون بالبحث عن صور راؤول على هواتفهم. في النهاية، استسلمت لأمر الواقع
وقلت: “حسنا، ، أنت راؤول حقا. سررت بلقائك يا سيدي ” ،وضحك الجميع على الصبي القادم من تركيا .حلم أردا غولر في ريال مدريد هو ارتداء الرقم 10 خلفا للأسطورة لوكا مودريتش وفي بوح جميل ،يخبر أردا غولر أن حلمه الأكبر هو أن يرتدي في يوم ما الرقم 10 خلفا للأسطورة لوكا مودريتش . فمنذ أن غادر أنقرة، واصل تدوين أسماء الأشخاص الذين ساعدوه في الوصول إلى ريال مدريد في المذكرة التي أهداه إياها والده. هناك أكثر من عشرين إسما بكثير. أمي، أبي، أختي، أصدقائي، مدربي، رؤسائي، أستاذ التربية البدنية محمود، الأطباء الذين أنقذوا حياة والدتي… “فمهما كنت، لا يمكنكَ تحقيق النجاح بمفردك. بلغت العشرين من عمري في وقت سابق من هذا العام. لا تزال أحلامي كثيرة في دفتر ملاحظاتي. أريد أن أصبح لاعبا أساسيا في ريال مدريد. أريد الفوز بدوري أبطال أوروبا. كما أتمنى ارتداء الرقم 10 مع هذا النادي.
ولكن قبل كل شيء، أريد أن أمهد الطريق لجيل جديد من اللاعبين الأتراك،” يقول غولر.تركني خورخي خيسوس خارج تشكيلة فنربخشة لأسابيع. في أحد الأيام، شكّل فريقين للتدرب على الركلات الحرة، ولم أكن في أي منهما. تدربت لوحدي، مُنفّذا الركلات الركنية. كان المطر ينهمر بغزارة، وعندما عدت إلى المنزل، بكيت بحرقة ،ووعدتُ نفسي ألا أشعر بذلك مجددا. يراني الناس لاعبا مبدعا، لكنني أيضا محارب. هل تتركني على مقاعد البدلاء؟ سأبذل جهدا أكبر.