الجريمة والعقاب قراءة قضائية وسياسية مختلفة

2 مايو 2025
الجريمة والعقاب قراءة قضائية وسياسية مختلفة

بقلم: الدكتور نزار محمود

كنا قد تعودنا على تصور ما يمكن أن تعنيه وتتضمنه عبارة: الجريمة والعقاب، من قيام أحدهم بارتكاب جرم ما ووقوعه بيد العدالة فتقتص منه.
في هذا المقال يدور الأمر حول جرائم وجنايات ليست بتلك الصورة المباشرة تماماً.
إنه مقال يقوم على شيء من الخيال والغرائبية دون أن يعني ذلك أن ليس له علاقة بالواقع. إن الجرائم التي سيتناولها المقال هي جرائم من النوع الثقيل والكبير في أبعادها وأذيتها. وهي جرائم قد يصعب على القضاة ومواد قوانينهم الحكم فيها. ربما تكون تصلح تلك الجرائم وما يترتب عليها من عقوبات للأدب السياسي الناقد وليس للحكم القضائي. إن محاكم هذه الجرائم وما يصدر عنها من أحكام هي أقرب إلى حوكمة ضمير ووجدان قائم على مراجعات وتأملات لأعمال كثيرين ممن ركبوا البحر وحملوا أمانات لم يدركوا ثقل ما هم يحملونه ولا دراية قيادة سفنهم ولا معرفة بأمزجة الريح والمياه.

صبيحة يوم الرابع عشر من تموز من العام 1958 يصحى الناس على أخبار انقلاب ضد النظام الملكي، فتتوالى الأخبار وتنقل معها ما حل بالعائلة المالكة من وحشية قتل بهم وببعض من كان من رموز ذلك النظام. مشاهد يندى لها الجبين قبل أن يتفطر لها القلب!
مجموعة من الضباط أخذهم الحماس ونفخت فيهم شعارات الوطنية والتحرر من الاستعمار والقضاء على أذنابه، استعدوا وعزموا على الانقلاب ونفذوه.
لم يكن لأولئك الضباط من خبرة إدارة بلد ولا شعور بثقل المسؤولية، وظنوا أن خروج الآلاف في الشوارع وتصفيقهم وهتافاتهم لهم وحتى نظافة جيوبهم ستعينهم على النجاح في حكم تلك البلاد. لم يكن في حسبانهم أن ذلك يعني قتل المئات والآلاف، وأن الإنقلاب سيجر معه موجات من الغوغاء والقتل والسحل والنهب والفرقة والتمرد، وان لذلك تكاليفه على مستوى علاقات البلد وخطط عمله السابقة وعلى مصير من عمل وأخلص وضحى على أيام العهد الملكي من أبناء ذلك البلد.
أليست تلك أعمال جرائم في تداعياتها؟!

ولم يمض كثير من السنوات فأجهزت مجموعة سياسية أخرى على نظام عبدالكريم قاسم، قتلت وفصلت وعذبت وأقصت، وارتفع من ارتفع، وهبط من هبط!

ولم يكن ما حصل عام 1968 من انقلاب تموز كذلك سوى حلقة مضافة من جرائم في ما ارتكبه من اعمال انتقام أو ما قام به من أخطاء انتهت الى غزو العراق واحتلاله وقتل مئات الآلاف وهجرة الملايين من أبنائه.

وهكذا بدأ مسلسل أكبر الجرائم عام 2003 مع ذلك الغزو والاحتلال وجرائم الخيانة والعمالة وضياع منظومات القيم وما حصل، وما يزال، من أعمال نهب وسرقات وفساد كبيرة منقطعة النظير.
لنا أن نتصور وقوف ملايين الناس أمام المحاكم يرفعون شكاواهم عن جرائم قتل وتعذيب وتهجير وضياع أملاك وأموال، وعن هتك أعراض واختفاء أبناء وتزوير ماض ومعاناة حاضر وعتمة مستقبل!

ألم يكن من ركب موجة السلطة قد قرأ وتدبر قول الله سبحانه وتعالى:

“إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا”

ترى ما هو حكم القدر بمثل هكذا جرائم، وهل ما حل بنا، وما يزال هو ضرب من العقاب على من قام وعلى من لم يقم؟!!!

برلين، 01.05.2025

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com