اسبانيا/ مالقا – بقلم : عبدالعزيز حيون

شكل موضوع أدوار الدبلوماسية الموازية في الدفاع عن القضايا الوطنية والدولية العادلة محور ندوة دولية، نظمتها هيئة السفارة الإنسانية نهاية الأسبوع المنصرم بمركز القطب الرقمي البلدي بمدينة مالقا، وتناول خلالها خبراء مغاربة وإسبان الآليات التي تسلكها الدبلوماسية الموازية لتنوير الرأي العام وتقديم الحلول العملية والبديلة لتجاوز التوترات والخلافات .
كما سبرت الندوة ،التي أطرتها نخبة من الدبلوماسيين والإعلاميين والباحثين بمشاركة ممثلي الهيئات المدنية الإسبانية والمغربية ،أغوار وظائف ومساهمات الفعل والفاعل في الدبلوماسية الموازية وأدوارها المنسقة في التعريف بحقائق و مستجدات قضية الصحراء المغربية وباقي القضايا الوطنية والدولية العادلة عبر قنواتها التواصلية المتعددة وعملها الميداني في كل بقاع العالم ،مما يجعل من هذا النوع من الدبلوماسية ،في مختلف تمظهراتها ،آلية تنظيمية مهمة تلامس القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية النبيلة من زوايا مختلفة وفي نوع من التكامل مع الدبلوماسية الرسمية ،وحيث تعمل كل واحدة منها حيث تعجز الأخرى .

وأبرز الخبراء أن الدبلوماسية الموازية هي أيضا من الأساليب الناجعة للتعامل الدولي في بعده الإنساني الخلاق لضمان التعايش بين شعوب العالم والأمم على اختلاف معتقداتها ومللها ولغاتها، وتقريب الثقافات ونبذ كل ما يعيق التقارب بين الشعوب ،وفي الوقت ذاته الدفاع عن القضايا الوطنية العادلة التي تحاول دول أخرى بذاتها تقويضها والافتراء والتطاول عليها دون وجه حق ولا شرعية .
وفي هذا السياق، أكد المنسق العام لهيئة السفارة الإنسانية ،محمد القوضاضي، على أهمية تنظيم هذه الندوة في إسبانيا لتقريب وجهات نظر الفعاليات الدبلوماسية والمدنية والجامعية والبحثية لتنسيق الجهود والمبادرات الميدانية بغية تقوية دور الدبلوماسية الموازية في مواجهة الأباطيل والافتراءات التي تنهجها بعض الدول للافتراء على التاريخ والواقع ومحاولة معاكسة حقوق المغرب ووحدته الترابية ،خاصة مع تزايد الاعتراف الدولي الوازن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وشدد القوضاضي خلال الندوة ،التي حضرها جمهور نوعي من الباحثين الحقوقيين ورجال القانون من المملكتين الصديقتين ،على تنامي أدوار الفعل الدبلوماسي الموازي ، خاصة بعد أن شهد الواقع الدولي تحولات جيواستراتيجية و متغيرات سياسية وأمنية وعسكرية عميقة ،وفي المقابل أثبتت الهيئات المدنية، بالملموس، قدراتها على المساهمة المتوازنة والناجعة في تحييد الأطروحات المتجاوزة التي لا تخدم الإنسانية في شيئ وفي المقابل تكرس ، للأسف ،التفرقة والإنفصال والإقصاء .
ورأى المنسق العام لهيئة السفارة الإنسانية أن ندوة الخبراء في دورتها الأولى، في حد ذاتها شكلت منصة حيوية لمناقشة سبل تعزيز الدبلوماسية الموازية كآلية للدفاع عن القضايا العادلة، في عالم يتسم بتعقيدات متزايدة وتحديات متعددة الأبعاد ،وكذا دورها في إعلاء صوت الشعوب، والتأثير في مراكز القرار، وفتح قنوات حوار بديلة لكل الشرائح المجتمعية و توفير منبر لمناصرة ،مشيرا الى أن العالم اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية وضمان استقرار الشعوب وتنميتها.
ونوه القوضاضي الى أن القيم الإنسانية، مثل التضامن والتعايش والمودة والإخاء، تمثل اليوم عملة إنسانية مهمة وحجر الأساس لأي محاولة حقيقية لإعادة بناء العلاقات الدولية على أسس أكثر عدلًا وإنصافًا ،وهي أيضا مرتكزات لدعم الحوار بين الشعوب، وتعزيز التفاهم المتبادل، ومواجهة التحديات العابرة للحدود التي تتعلق بالهجرة، والفقر، والتغير المناخي، والنزاعات المسلحة.
ومن جهته ،اعتبر الخبير الإسباني بيدرو ألطاميرانو أن الجهود التي تقوم بها الهيئات المدنية في إطار الدبلوماسية الموازية والحركة الجمعوية العالمية هي صوت نبيل عابر للأقطار وللقارات يسمع صوت الدول والشعوب في دفاعها عن قضاياها العادلة على نطاق كوني .
وأكد الخبير الإسباني، المدافع بقوة في كل المنابر الإسبانية والدولية على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وعادل ، أن ندوة الخبراء المغاربة والإسبان هي في حد ذاتها خطوة نوعية الى الأمام لترسيخ مفهوم الدبلوماسية الإنسانية ودعم المبادرات التي تسعى إلى تعزيز القيم المشتركة بين الشعوب ودعم التقارب والتعاون المتعدد الأبعاد والأطراف بين المغرب وإسبانيا ،الذي يشهد قفزة نوعية في الوقت الراهن.
وأعرب بيدرو ألتاميرانو عن قناعته الراسخة بأهمية هذا النوع من المبادرات في بناء مستقبل أكثر تضامنًا وتكاملًا، بعيدًا عن الأطروحات الانقسامية والصراعات التي تحاول بعض الدول ،دون وجه حق ، حشر شعوب المنطقة في دوامتها لتعطيل عجلة التنمية الإقليمية والدولية وحقهم في العيش الكريم .
وفي مداخلتها خلال أشغال الندوة الدولية، تطرقت المحامية والحقوقية إجلال الحولاني إلى الجانب القانوني الذي يؤطر الفعل الدبلوماسي الموازي على الصعيدين الوطني والدولي ،والى تطور هذه الممارسة الميدانية، التي تستوجب بيئة تشريعية قانونية تضمن حرية الأفراد والمنظمات في العمل دون الخوف من الملاحقات أو التضييق، مبرزة في ذات الوقت القيود التي تفرضها بعض الإطارات القانونية،التي تحد من عمل الدبلوماسية الموازية والتي تحتاج الى تجويد وتنقيح واجتهاد أكثر .
واعتبرت الحقوقية المغربية أن القانون الدولي يطلع بدور مهم وداعم لتعزيز حقوق الأفراد والمنظمات وعمل الدبلوماسية الموازية النبيل ، والمساهمة في ضمان الحماية للشعوب من الاضطهادات أو الملاحقات القانونية والقضائية وتوسيع مجالات الحوار والتعاون بين الشعوب بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية المعتادة التي لها طقوسها ومساراتها .
وسلط الخبير المغربي والمهندس عبد العزيز الزروالي الضوء على الرهانات المستقبلية للدبلوماسية الموازية في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة ،مبرزا قدرة هذا النوع من الدبلوماسية على التكيف مع التغيرات العالمية، ما يجعل منها ركيزة دبلوماسية أساسية وآلية مؤثرة لتشبيك جهود العالم من أجل فرض الأمان والأمن والاستقرار والتعايش والتعاون بما ينفع البلدان والشعوب ،ويوفر الحصانة المعرفية لمواجهة الخطابات والممارسات الهجينة .
وشدد الزروالي على أهمية التكوينات في تعزيز قدرات المشتغلين في مجال الدبلوماسية الموازية ،واعتماد منهجيات عمل دقيقة من أجل مضاعفة فعالية الدبلوماسية الموازية وتقوية مكانتها في المشهد الدولي والإقليمي والدفاع عن القضايا العادلة للمملكة المغربية ،كنموذج .
كما أبرز أهمية تطوير شبكات تنسيق متينة بين مختلف الفاعلين غير الحكوميين، بما يساهم في تعزيز الوقع الإيجابي لمبادرات الدبلوماسية الموازية ، داعيًا في الوقت نفسه إلى إقامة شراكات بنّاءة ومهيكلة مع المؤسسات الدبلوماسية الرسمية، بما يضمن تكامل الأدوار والسير على خطى متوازية .
وعلى نفس المنوال ،أكد الخبير الدولي المغربي شاكر بن جلون على أهمية تضافر جهود الفعاليات المدنية بالخصوص لمواجهة عوائق بناء استراتيجيات دبلوماسية موازية فعالة وناجحة ،معتبرا أن التحولات الجيوسياسية والتغيرات السريعة التي تشهدها العلاقات الدولية تفرض مقاربات جديدة وناجعة تتكيف مع التطورات الجديدة وتجدد آليات التواصل لبلوغ الأهداف النبيلة .
وجدد الخبير بن جلون التأكيد أيضا على أن الدبلوماسية الموازية أصبحت أداة حاسمة تسهم بشكل متزايد في تشكيل ملامح السياسة العالمية ،موضحا أن مصداقية هذه الدبلوماسية المتزايدة وقاعدتها الشعبية الواسعة تجعلها مكملًا أساسيًا للقنوات الدبلوماسية الرسمية المعتادة ، التي لها تقاليدها ومسالكها وقنواتها .
ورأى أنه يجب الاقتناع بأن الدبلوماسية الموازية سائرة في طريق اكتساب مزيد من النفوذ في المشهد الدولي المعاصر، حيث يمثل التعاون بين الشبكات الرقمية، وتوظيف البيانات التحليلية، وتعزيز التعاون بين الجمعيات عناصر أساسية لنجاح الفعل الدبلوماسي الوطني العام ،متوقعا أن تزداد قوة تأثير الدبلوماسية الموازية في تعزيز الأمن والسلام الدولي، والمساهمة في صياغة سياسات عالمية أكثر عدالة وتوازنًا.
وقال الصحافي عبد العزيز حيون إن الدبلوماسية الموازية المغربية بلغت مرحلة النضج والتأثير مما جعلها تفرض مفهوما جديدا للفعل الدبلوماسي الموازي في كل المجالات الحيوية ،الروحية والثقافية والرياضية وما الى ذلك ،وهو ما جعل منها أيضا معادلة أساسية في الدفاع عن القضايا الوطنية الأساس .
وقال الصحافي موضحا إن قوة ونجاعة الدبلوماسية الموازية ، في مفهومها الخلاق ، تكمن في قدراتها العملية على ملامسة عمق القضايا الإنسانية الراهنة ذات الأولوية والحاسمة ، بدءاً من الميدان الاجتماعي، مرورا بالميدان الحقوقي، ووصولا إلى الميادين الاقتصادية والثقافية والبيئية والروحية والدينية ،مؤكدا أهمية تبني أنشطة الدبلوماسية الموازية آليات الترافع والإثبات والقوة الحججية اللازمة للدفاع عن القضايا الوطنية العادلة .
وأوصى المشاركون في الندوة الدولية بتمكين الدبلوماسية الموازية بالآليات العملية الضرورية لتوسع مجال تدخلها وبلوغ أهدافها النبيلة ،وكذا تعزيز دورها كأداة حيوية لنشر ثقافة السلم والتسامح و التعايش والوصول إلى الفئات المجتمعية المختلفة، بما يتيح لها أيضا المساهمة الفعالة في إعادة بناء عالم أكثر إنسانية وتضامنًا، بعيدًا عن منطق الهيمنة والصراعات الإقليمية المجانية التي تكبح جماح التقدم والرقي والتنمية .
كما أوصى المشاركون في الندوة بدعم المبادرات الإنسانية الميدانية ، وتحفيز التكوين في مجال الدبلوماسية الموازية، إلى جانب تبني مواقف أكثر جرأة لصالح القضايا العادلة في الساحة الدولية ،وكذا خلق قنوات للتفاعل والتعاون بين المشتغلين في حقل الدبلوماسية الموازية والدبلوماسية الرسمية بما يضمن تكامل المبادرات والاطلاع على المستجدات ذات الصلة بالقضايا الوطنية .
وفي اختتام أشغال الندوة الدولية للخبراء ، تم تعيين جيل جديد من “سفراء الإنسانية” ،من إسبانيا كما من المغرب ، للاستفادة من هذه الخبرات المرجعية والمهمة في تعزيز العمل الإنساني وتوسيع نطاق انتشاره، ونشر ثقافة العمل الإنساني في ظل مشهد عالمي بالغ التعقيد، حيث زادت حدة الصراعات الدولية وتشابكت.
خاص لصحيفة قريش – لندن