قراءات في المنجز الفني العالمي.. الشطرنج لعبة الحياة

قراءات في المنجز الفني المعاصر العالمي:

لعبة الشطرنج لعبة الحياة

د.عمر سعدون

فنان تشكيلي وباحث في الفنون المعاصرة 

في عام 1956، قدّم الفنان مارسيل دوشامب،(Marcel Duchamp) الذي عُرف بإسهاماته الجريئة في براديغم الفن المعاصر، مشهدًا استثنائيًا جمع بين التحدي الفني والفكري في آن واحد:” مباراة شطرنج بحجم الحياة”. 

وفي هذا الصدد، احتضن متحف غوغنهايم في نيويورك هذا الحدث الفريد، الذي لم يكن مجرد مواجهة على رقعة شطرنج، بل لحظة تاريخية تجسدت فيها عبقرية الفنان، وامتزج فيها الفن بالفكر، واللعبة بالأداء المسرحي.

لقد كان دوشامب ينظر إلى الشطرنج بوصفه “فنًا ذهنيًا”، لا يقل شأنًا عن اللوحة المرسومة أو المنحوتة المتقنة، فكان يرى فيه ساحة للتجريب والاستكشاف، تمامًا كما كانت أعماله الفنية تدفع بالحدود التقليدية للفن إلى آفاق جديدة . 

وهكذا، لم تكن هذه المباراة مجرد تسلية، بل كانت امتدادًا لمشروعه الفني العابر للأنماط السائدة، إذ تماهت في تفاصيلها عناصر الاستراتيجية والتأمل والتفاعل المباشر بين الفن والعقل.

يجسد هذا الحدث ما سماه آرثر دانتو بـ”تجلي المبتذل”، حيث لم يعد الفن مقيدًا بالمادة أو الشكل التقليدي، بل أصبح فكرة تتجسد في تجربة ذهنية وأداء حي. 

من خلال هذه المباراة، لم يطمس دوشامب الحدود بين الفن واللعب فحسب، بل أكد أن العمل الفني ليس مجرد كيان مادي، بل مفهوم يُدرك بالعقل.

 كما كان هذا الحدث امتدادًا لمشروعه الطليعي، الذي تحدى فيه مفهوم الإبداع، تمامًا كما فعل مع الـ”ريدي ميد”، حيث جعل الأشياء العادية فنًا بمجرد وضعها في سياق جديد

الصور:

الفنان مارسيل دوشامب في احد اعماله التي وظف فيها الشطرنج  و الانعكاس 

مارسيل دوشامب، مباراة شطرنج بحجم الحياة، 1956

المقال خاص لصحيفة  قريش – لندن