موافقة أوكرانيا على انهاء الحرب تقصي أوربا من القيادة

12 مارس 2025
موافقة أوكرانيا على انهاء الحرب تقصي أوربا من القيادة


أوروبا بحاجة إلى استثمار 250 مليار سنويا لمواجهة روسيا عسكريا بمنأى عن الولايات المتحدة

تقارب واشنطن وموسكو يجبر أوروبا على تقوية قدراتها العسكرية والبحث عن تمويلات استثنائية

عبد العزيز حيون

كاتب وصحفي من المغرب 

هل فعلا يمكن اعتبار أن أوروبا ،والمقصود دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ، أصبحت في ورطة ، وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها وتأمين حدودها وكيانها ضد أي هجوم عسكري محتمل من أية جهة معادية ،اذا افترضنا جدلا روسيا .

فكل الدلائل والمعطيات الواقعية والميدانية والدراسات الاستراتيجية تثبت بالملموس أن أوروبا بحاجة إلى استثمارات كبيرة جدا للدفاع عن نفسها ضد أي “عدو خارجي” محتمل دون الحاجة إلى دعم ومساندة الولايات المتحدة ، التي شكلت دائما العراب الرئيسي للقارة العجوز.

ولتحقيق هذا المبتغى ، يتعين على الدول الأوروبية برمتها زيادة إنفاقها الدفاعي من 2 % إلى 3,5 % على الأقل ، أي ما يعادل 250 مليار يورو سنويا.

وقد أدى تقارب إدارة دونالد ترامب مع الكرملين إلى تعريض “ضمانات الحماية” التي تقدمها منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” في حالة تعرض المنطقة  لهجوم عسكري أو خطر أمني ، وفي هذا الإطار كان الرئيس الأمريكي واضحا تماما حين دعا  أوروبا الى الاعتماد على نفسها لتطوير قدراتها العسكرية حتى تستطيع  مقاومة ومواجهة أي هجوم خارجي دون الحاجة إلى الدعم الأميركي.

وفي السياق ذاته ، وبحسب تحليل أجراه معهد بروغل للأبحاث Centre de réflexion Bruegel  (think tank) ومعهد كيل للاقتصاد العالميThe Kiel Institute for the World Economy، فإن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يحتاجان إلى إضافة 300 ألف جندي إضافي وإنفاق 250 مليار يورو سنويا ، حتى يتمكنا من مواجهة روسيا دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية .

وتعتمد هذه الدراسة على فرضية سحب ما يقرب من 100 ألف جندي نشرتهم الولايات المتحدة في جميع أنحاء القارة العجوز ، بما في ذلك الجبهات العسكرية المتقدمة في منطقة الشرق ، بالإضافة إلى 200 ألف جندي يمكن لأميركا  إرسالهم إلى أوروبا  في حالة نشوب نزاع عسكري أو وقوع أي خطر قد يهدد دول القارة العجوز .

وبحسب وجهة نظر المعهدين المرجعيين ، فإن تركيز دول أوروبا في الجانب العسكري يجب أن يقع على إنشاء قوات بشرية مدربة أحسن تدريب وفرض الخدمة العسكرية في كل الدول المعنية وامتلاك مدرعات جديدة قادرة على استبدال الوحدات الأميركية، وهو ما يعني إنشاء 50 لواء جديدا.

وتشير الدراستان أيضا إلى أن قوات المشاة الجديدة يجب أن تكون مجهزة بما لا يقل عن 1400 دبابة و2000 مركبة عسكرية ، وهي أرقام تفوق بكثير تلك المتوفرة حاليا لدى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة مجتمعة ، دون الحديث عن الوسائل العسكرية الأخرى الرادعة التي تتطور بشكل مضطرد من سنة لأخرى .

كما أن دول أوروبا ستكون ملزمة ، في حالة تخلي الولايات المتحدة عن دور “حامي أوروبي وعرابها الأساسي ” وحتى تنافس روسيا التي ضاعفت صناعتها العسكرية منذ بداية المواجهة العسكرية مع أوكرانيا،  بإنتاج نحو 2000 صاروخ طويل المدى وأنظمة باليستية سنوياً ،على سبيل المثال وليس الحصر .

وتشير التقديرات إلى أنه إذا كان من المقرر توفير هذا المستوى من  الإنتاج العسكري الضروري ، فيتعين على الدول الأوروبية زيادة إنفاقها الدفاعي من 2 % إلى 3.5% أو حتى 4%، وهو ما يعني إيرادات إجمالية تبلغ نحو 250 مليار يورو سنويا .

و قد من الممكن تدبير هذه الحاجيات من الناحية الاقتصادية ، إن توفرت الإرادة الجماعية لذلك ، اعتمادا على القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والقوة الاقتصادية لبريطانيا ، حيث تبلغ التكاليف الإضافية حوالي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي  ، وهذه القيمة المالية  أقل بكثير مما كان يجب تعبئته للتغلب على الأزمة الصحية أثناء جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال .

وقد تشكل زيادة الإنفاق الدفاعي حافزا اقتصاديا للاتحاد الأوروبي ، من منظور بعض الخبراء الاقتصاديين الأوروبيين ، ” في سياق حالي يتميز بفرض الرسوم الجمركية الأمريكية والمنافسة التجارية القوية التي يعرفها العالم التي تخلت فيها أوروبا عن المراتب الأولى مجبرة مع ظهور فاعلين جدد .

وسبق للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل أن اعتبر في تصريح لصحيفة “إل باييس ” الإسبانية ، أن أوروبا في خطر ،داعيا  الدول الأوروبية للاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية  وإلى تحمل مسؤولية ضمان أمنها بنفسها وعدم الاعتماد على الغير بغض النظر عن الكلفة المالية .

وقال بوريل إن “أوروبا فعلا في خطر ..ولا يمكنها الاعتماد على مزاج الانتخابات الأمريكية كل 4 أعوام”، مشيرا الى أن الحاجة الى تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا ظهرت على خلفية النزاع المسلح بين أوكرانيا وروسيا، لافتا أيضا إلى أن نموذج الدفاع السائد في أوروبا غير كاف بالمرة مع وجود خطر متنوع ومعقد يتربص بدول القارة العجوز .

ويبقى قبول أوكرانيا باقتراح الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار مع روسيا و التزام واشنطن بإعادة المساعدات العسكرية وتوفير المعلومات المخابراتية للجيش الأوكراني قبل التوقيع على اتفاقية استغلال المعادن بشكل مشترك ، إشارة واضحة بأن أوروبا لم يعد لها أي دور بخصوص المسألة الأوكرانية وأن واشنطن لا تبالي بموقف وبرأي أوروبا في قضية تدخل في صلب اهتمام المنتظم الأوروبي باعتبار الواقع والجغرافيا .

وقد تكون الخطوة الأمريكية بخصوص أوكرانيا “خطوة حاسمة ” في مسار الحرب قبل التفاوض مع الكرملين لإتمام هذا الاتفاق ، إلا أن الخاسر الأول من هذا التحول هي أوروبا التي فقدت هيبتها ودورها الاستراتيجي ،خاصة مع إعلان أوكرانيا عن استعدادها لقبول الاقتراح الأمريكي دون أن تلتفت الى رأي بروكسيل ولندن المساند الرسمي لها ،ماليا وعسكريا .

ولا يمكن أن نغض الطرف عن الخطة العسكرية للحكومة البولونية ، التي أعلنت عنها الأحد الماضي على لسان وزيرها الأول دونالد توسك ، حتى تكون البلاد المجاورة لأوكرانيا والجبهة الشرقية الأساسية للاتحاد الأوروبي قادرة على القتال في حالة الحرب  .

 وتقوم هذه الخطة على القيام بالتدريبات العسكرية الإجبارية لكل الرجال الذين هم في صحة جيدة وتشكيل جيش قوامه نصف مليون جندي في بولونيا بما في ذلك قوات الاحتياط، مقارنة بـ290 ألفا حاليا،وفي الوقت ذاته انسحاب بولونيا من اتفاقية أوتاوا (اتفاقية حظر استعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأشخاص) واتفاقية دبلن الخاصة بطلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي،حتى تكون وارسو في حل من أي التزام قانوني عالمي .

ويتوافق قرار رئيس الوزراء البولوني مع ما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون بشأن امتلاك أوروبا للأسلحة النووية حتى تحل فرنسا محل الولايات المتحدة ك”مظلة نووية ” لأوروبا ، وتقوية التعاون بين القوى النووية الأوروبية ،مثل فرنسا وبريطانيا ، لضمان الردع النووي الفعّال في حال تصاعد التهديدات من روسيا.

وأمام تنصل واشنطن من دعم أوروبا ورغبة القارة العجوز في حماية نفسها بنفسها وتحول مجرى قضية أوكرانيا ،يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أوروبا بكل مكوناتها فعلا قادرة على توفير المال الضروري لتعزيز قدراتها العسكرية على المديين القريب أو المتوسط ؟،وهل ستضطر أوروبا الى تغيير توجهها الاقتصادي بتركيز الاهتمام على الصناعة العسكرية ؟ ، وفي كل الحالات يبقى الأمر ليس بالهين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتازها القارة ،ومع تراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي وشيخوخة أوروبا ومواجهتها خطر الفناء الديموغرافي .

خاص لصحيفة قريش – لندن

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com